فالآمر الناهي الذي ليس فوقه آمر ولا ناه كيف يمتنع في حقه أن
يحرم على نفسه ويكتب على نفسه وكتابته على نفسه سبحانه تستلزم إرادته لما كتبه ومحبته له ورضاه به وتحريمه على نفسه يستلزم بغضه لما حرمه وكراهته له وإرادة أن لا يفعله فإن محبته للفعل تقتضي وقوعه منه وكراهته لأن يفعله تمنع وقوعه منه وهذا غير ما يحبه سبحانه من أفعال عباده ويكرهه فإن محبة ذلك منهم لا تستلزم وقوعه وكراهته منهم لا تمنع وقوعه ففرق بين فعله هو سبحانه وبين فعل عباده الذي يقع مع كراهته وبغضه له ويتخلف مع محبته له ورضاه به بخلاف فعله هو سبحانه فهذا نوع وذاك نوع فتدبر هذا الموضع الذي هو منزلة أقدام الأولين والآخرين إلا من عصم الله وهداه إلى صراط مستقيم وتأمل أين تكون محبته وكراهته موجبة لوجود الفعل ومانعة من وقوعه وأين تكون المحبة منه والكراهة لا توجب وجود الفعل ولا تمنع وقوعه ونكتة المسألة هي الفرق بين ما يريد أن يفعله هو سبحانه وما لا يريد أن يفعله وبين ما يحبه من عبده أن يفعله العبد أو لا يفعله ومن حقق هذا المقام زالت عنه شبهات ارتبكت فيها طوائف من النظار والمتكلمين والله الهادي إلى سواء السبيل واعلم أن الناس في هذا المقام ثلاث طوائف فطائفة منعت أن يجب عليه شيء أو يحرم عليه شيء بإيجابه وتحريمه وهم كثير من مثبتي القدر الذين ردوا أقوال القدرية النفاة وقابلوهم أعظم مقابلة نفوا لأجلها الحكم والأسباب والتعليل وأن يكون العبد فاعلا أو مختارا الطائفة الثانية بإزاء هؤلاء أوجبوا على الرب وحرموا أشياء بعقولهم جعلوها شريعة له يجب عليه مراعاتها من غير أن يوجبها هو على نفسه ولا حرمها وأوجبوا عليه من جنس ما يجب على العباد وحرموا عليه من جنس ما يحرم عليهم ولذلك


الصفحة التالية
Icon