وهل العَشِيُّ مرادِف لـ " عشية " أي : إن هذا اللفظ فيه لغتان : التذكير والتأنيث، أو أن " عَشِيّاً " جَمْعُ " عَشِيَّة " في المعنى على حدِّ " قَمْح " و" قَمْحَة "، و" شعير " و" شعيرة "، فيكون اسم جِنْسٍ، خلاف مشهور، والظاهر الأوَّل لقوله تعالى :﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشي الصافنات الجياد ﴾ [ ص : ٣١ ] إذ المرادُ هنا عِشِيَّة واحدة، واتفقت مصاحفُ الأمْصَارِ على رَسْمِ هذه اللفظة " الغدوة " بالواو وقد تقدَّمَ أن قراءة ابن عامرٍ ليست مُسْتَندَةً إلى مجرد الرسم، بل إلى النَّقْلِ، وثَمَّ [ ألْفَاظٌ اتُّفِقَ ] أيضاً على رَسْمِهَا بالواو، واتُّفِقَ على قراءتها بالألف، وهي :" الصَّلاة، والزكاة، ومناة، ومِشْكَاة، [ والربا، ] والنجارة والحياة "، وحرفٌ اتُّفِقَ على رسمه بالواو، واختلف في قراءته بالألف والواو، وهو " الغَدَاة " وأصْلُ غَدَاة : غَدَوَة، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقُلِبَتْ ألفاً.
وقرأ ابن أبي عَبْلَةَ :" بالغدوات والعَشِيَّات "، جمع " غَدَاة " و" عشية " وروي عن أبي عبد الرحمن أيضاً " بالغُدُوِّ " بتشديد الواو من غير هاءٍ.
قوله :" يُرِيدُونَ " هذه الجملة في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال من فاعل " يَدْعُونَ " أو من مفعوله، والأوَّل هو الصحيح، وفي الكلام حَذْفٌ، أي : يريدون بدعائهم في هَذَيْنِ الوقتين وجهه.
قوله :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء ﴾
" ما " هذه يجوز أن تكون الحِجَازيَّةَ النَّاصبة للخبر، فيكون " عليك " في مَحَلِّ النصب على أنه خبرها، عند مَنْ يُجَوِّز إعْمَالَهَا في الخبر المُقدَّمِ إذا كان ظَرْفاً أو حرف جَرِّ، وأمَّا إذا كانت تَمِيميَّةً، أو متعيَّناً إهمالُهَا في الخبر المقدِّمِ مُطْلَقاً كان " عليك " في مَحَلِّ رفع خبراً مُقدَّماً، والمبتدأ هو " مِنْ شَيءٍ " زيدت فيه " مِنْ ".