ثم قطعتُ الليلَ في مَهْمَةٍ... لا أسداً أخشى ولا ذيبا
يغلبني شوقي فأطوي السُّرى... ولم يَزَلْ ذو الشوق مغلوبا
ويقال تقيَّدت دعوتهم بالغداة والعشيّ لأنها من الأعمال الظاهرة، والأعمالُ الظاهرة مؤقتة، ودامت إرادتهم فاستغرقت جميع أوقاتهم لأنها من الأحوال الباطنة، والأحوال الباطنة مسرمدة غير مؤقتة، فقال :﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِىِّ ﴾ ثم قال :﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ أي مريدين وجهه فهي في موضع الحال.
ويقال أصبحوا ولا سؤال لهم من دنياهم، ولا مطالبة من عقباهم، ولا همَّ سوى حديث مولاهم، فلما تجردوا لله تمحضت عناية الحق لهم، فتولَّى حديثهم وقال : ولا تطردهم - يا محمد - ثم قال : ما عليك من حسابهم من شيء ؛ فالفقير خفيف الظهر لا يكون منه على أحد كثير مؤنة ؛ قال تعالى :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَئٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَئٍ ﴾ لا تطالب بحسابهم ولا يطالبون بحسابك، بل كلٌّ يتولى الحقُّ - سبحانه - حسابَه ؛ فإِن كان أمره خيراً فهو ملاقيه، وإن كان شراً فهو مقاسيه. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٤٧٥ ـ ٤٧٦﴾