ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾
الواو استئنافية كما هي في نظائره.
والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنّ السامع لمَّا شعر بقصّة أومأ إليها قوله تعالى :﴿ ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ] الآية يأخذه العجب من كبرياء عظماء أهل الشرك وكيف يرضَوْن البقاء في ضلالة تكبّراً عن غشيَان مجلس فيه ضعفاء الناس من الصالحين، فأجيب بأنّ هذا الخلق العجيب فتنة لهم خلقها الله في نفوسهم بسوء خلُقهم.
وقعت هذه الجملة اعتراضاً بين الجملتين المتعاطفتين تعجيلاً للبيان، وقرنت بالواو للتنبيه على الاعتراض، وهي الواو الاعتراضية، وتسمَّى الاستئنافية ؛ فبيَّن الله أنّ داعيهم إلى طلب طردهم هو احتقار في حسد ؛ والحسد يكون أعظم ما يكون إذا كان الحاسد يرى نفسه أولى بالنعمة المحسود عليها، فكان ذلك الداعي فتنة عظيمة في نفوس المشركين إذ جمعتْ كبراً وعُجباً وغروراً بما ليس فيهم إلى احتقار للأفاضل وحسد لهم، وظلم لأصحاب الحق، وإذ حالت بينهم وبين الإيمان والانتفاع بالقرب من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم
والتشبيه مقصود منه التعجيب من المشبّه بأنَّه بلغ الغاية في العجب.
واسم الإشارة عائد إلى الفتون المأخوذ من "فتنّا" كما يعود الضمير على المصدر في نحو ﴿ اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾، أي فتنّا بعضهم ببعض فتوناً يرغب السامع في تشبيهه وتمثيله لتقريب كنهه فإذا رام المتكلّم أن يقرّبه له بطريقة التشبيه لم يجد له شبيهاً في غرائبه وفظاعته إلاّ أن يشبّهه بنفسه إذ لا أعجب منه، على حدّ قولهم : والسفاعة كاسمها.
وليس ثمّة إشارة إلى شيء متقدّم مغاير للمشبّه.
وجيء باسم إشارة البعيد للدلالة على عظم المشار إليه.
وقد تقدّم تفصيل مثل هذا التشبيه عند قوله تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً ﴾ في سورة [ البقرة : ١٤٣ ].


الصفحة التالية
Icon