ولما قيل ذلك، فرض أن لسان حالهم قال : فائتنا بهذه البينة! فقال : إن ربي تام القدرة، فلا يخاف الفوت فلا يعجل، وأما أنا فعبد ﴿ما عندي﴾ أي في قدرتي وإمكاني ﴿ما تستعجلون به﴾ أي في قولكم " امطر علنيا حجارة من السماء " ونحوه حتى أحكم فيكم بما يقتضيه طبع البشر من العجلة ﴿إن﴾ أي ما ﴿الحكم﴾ في شيء من الأشياء هذا وغيره ﴿إلا الله﴾ أي الذي له الأمر كله فلا كفوء له، ثم استأنف قوله مبيناً أنه سبحانه يأتي بالأمر في الوقت الذي حده له على ما هو الأليق به من غير قدرة لأحد غيره على تقديم ولا تأخير فقال :﴿يقضُّ﴾ أي يفصل وينفذ بالتقديم والتأخير، وهو معنى قراءة الحرميين وعاصم " يقص " أي يقطع القضاء أو القصص ﴿الحق﴾ ويظهره فيفصله من الباطل ويوضحه، ليتبعه من قضى بسعادته، ويتنكب عنه من حكم بشقاوته ﴿وهو خير الفاصلين﴾ لأنه إذا أراد ذلك لم يدع لبساً لمن يريد هدايته، وجعل في ذلك الظاهر سبباً لمن يريد ضلالته. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٤٥ ـ ٦٤٦﴾

فصل


قال الفخر :
ولما نفى أن يكون الهوى متبعاً، على ما يجب اتباعه بقوله :﴿قُلْ إِنّى على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى﴾ أي في أنه لا معبود سواه.
وكذبتم أنتم حيث أشركتم به غيره.
واعلم أنه عليه الصلاة والسلام، كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك.
والقوم لإصرارهم على الكفر كانوا يستعجلون نزول ذلك العذاب.
فقال تعالى قل يا محمد :﴿مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ يعني قولهم ﴿اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] والمراد أن ذلك العذاب ينزله الله في الوقت الذي أراد إنزاله فيه.
ولا قدرة لي على تقديمه أو تأخيره.
ثم قال :﴿إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ﴾ وهذا مطلق يتناول الكل.
والمراد ههنا إن الحكم إلا لله فقط في تأخير عذابهم ﴿يَقْضِى الحق﴾ أي القضاء الحق في كل ما يقضي من التأخير والتعجيل ﴿وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين﴾ أي القاضين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٧﴾


الصفحة التالية
Icon