وقال أبو السعود :
قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنّى على بَيّنَةٍ ﴾ تحقيقٌ للحق الذي عليه رسولُ الله ﷺ وبيانٌ لاتّباعه إياه إثرَ إبطالِ الذي عليه الكَفَرةُ وبيانِ عدمِ اتباعِه له والبينةُ الحجةُ الواضحةُ التي تفصِلُ بين الحق والباطل والمرادُ بها القرآنُ والوحْيُ وقيل : هي الحججُ العقلية أو ما يعمُّها، ولا يساعدُه المقامُ، والتنوينُ للتفخيم، وقولُه تعالى :﴿ مّن رَّبّى ﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ ( لبينة ) مؤكّدة لما أفادهه التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره ﷺ من التشريفِ ورفعِ المنزلة ما لا يخفى، وقولُه تعالى :﴿ وَكَذَّبْتُم بِهِ ﴾ إما جملةٌ مستأنفة أو حاليةٌ بتقدير قد أو بدونه، جيء بها لاستقباح مضمونِها واستبعاد وقوعِه مع تحقق ما يقتضي عدمَه من غاية وضوحِ البينة، والضميرُ المجرورُ للبينة، والتذكير باعتبار المعنى المرادِ، والمعنى إني على بينةٍ عظيمة كائنةٍ من ربي وكذبتم بها وبما فيها من الأخبار التي من جمتلها الوعيدُ بمجيء العذاب، وقولُه تعالى :﴿ مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ استئنافٌ مبينٌ لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأً لتكذيبهم بها، وهو عدمُ مجيءِ ما وَعد فيها من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بقولهم :﴿ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين ﴾ بطريق الاستهزاءِ أو بطريق الإلزامِ على زعمهم أي ليس ما تستعجلونه من العذاب الموعودِ في القرآنِ وتجعلون تأخُّرَه ذريعةً إلى تكذيبه في حُكمي وقدرتي حتى أَجيءَ به وأُظهرَ لكم صِدْقَه، أو ليس أمرُه بمُفوَّضٍ إلي ﴿ إِنِ الحكم ﴾ أي ما الحكمُ في ذلك تعجيلاً وتأخيراً أو ما الحكمُ في جميع الأشياء، فيدخُل فيه ما ذُكر دخولاً أولياً ﴿ إِلاَ لِلَّهِ ﴾ وحده من غير أن يكون لغيره دخْلٌ ما فيه بوجه من الوجوه، وقولُه تعالى :﴿ يَقُصُّ الحق ﴾ أي يَتْبعُه، بيانٌ لشؤونه تعالى


الصفحة التالية
Icon