واختار بعضهم التعميم في متعلق الحكم أي ما الحكم في ذلك تأخيراً أو تعجيلاً أو ما الحكم في جميع الأشياء فيدخل فيه ما ذكر دخولاً أولياً ؛ ورجح الأول بأن المقصود من قوله سبحانه :﴿ إِنِ الحكم ﴾ الخ التأسف على وقوع خلاف المطلوب كما يشهد به موارد استعماله وهو على التأخير فقط.
﴿ يَقُصُّ ﴾ أي يتبع ﴿ الحق ﴾ والحكمة فيما يحكم به ويقدره كائناً ما كان أو يبينه بياناً شافياً من قص الأثر أو الخبر وهو من قبيل التكميل للخاص على ما اخترناه بإردافه بأمر عام كقوله تعالى :﴿ بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ ﴾ [ الملك : ١ ].
وقرأ الكسائي وغيره "يقضي" من القضاء وحذفت الياء في الخط تبعاً لحذفها في اللفظ لالتقاء الساكنين، وأصله أن يتعدى بالباء لا بنفسه فنصب ﴿ الحق ﴾ إما على المصدرية لأنه صفة مصدر محذوف قامت مقامه أي يقضي القضاء الحق أو على أنه مفعول به ويقضي متضمن معنى ينفذ أو هو متعد من قضى الدرع إذا صنعها أي يصنع الحق ويدبره كقول الهذلي : مسرودتان قضاهما داود.
وفي الكلام على هذا استعارة تبعية.
واحتج مجاهد للقراءة الأولى بعدم الباء المحتاج إليها في الثانية وقد علمت فساده.
واحتج أبو عمرو للثانية بقوله سبحانه :﴿ وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين ﴾ فإن الفصل إنما يكون في القضاء لا في القصص ولو كان ذلك في الآية لقيل خير القاصين.
وأجاب أبو علي الفارسي بأن القصص ههنا بمعنى القول وقد جاء الفصل فيه قال تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ [ الطارق : ١٣ ] ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءاياته ثُمَّ فُصّلَتْ ﴾ [ هود : ١ ] ﴿ وَنُفَصّلُ الايات ﴾ [ التوبة : ١١ ] على أنك تعلم بأدنى التفات إلى أن القص هنا قد يؤول بلا تكلف وبعد إلى معنى القضاء.


الصفحة التالية
Icon