يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَمَا يَشَاءُ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا مَا أَعْطَاهُ تَعَالَى إِيَّاهُ، وَمَكَّنَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالْمُتَصَرِّفُ بِمَا يُعْطَى مِنَ الْخِزَانَةِ لَا يَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِي الْخِزَانَةِ نَفْسِهَا، فَالْمُسْتَخْدَمُونَ عِنْدَ الْمَلِكِ أَوِ الرَّجُلِ الْغَنِيِّ يُعْطَوْنَ أُجُورَهُمْ مِنْ خِزَانَتِهِ، فَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا دُونَ الْخِزَانَةِ، وَجَمِيعُ الْأَحْيَاءِ الْعَامِلِينَ يَتَصَرَّفُونَ بِمَا يُعْطِيهِمُ اللهُ تَعَالَى مِنْ خَزَائِنَ الْمَوْجُودَاتِ، كُلٌّ بِحَسَبِ مَا أُوتِيَ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ فِي دَائِرَةِ ارْتِبَاطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى مَا لَمْ يُؤْتَهُ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ اسْتِعْدَادُهُ، فَالتَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ الرِّسَالَةِ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ - الْمُبَلِّغُ عَنِ
اللهِ تَعَالَى أَمْرَ دِينِهِ - قَادِرًا عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِالْأَسْبَابِ، فَضْلًا عَنِ التَّصَرُّفِ الذَّاتِيِّ بِغَيْرِ سَبَبٍ الَّذِي طَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُ، وَجَعَلُوهُ شَرْطًا لِلْإِيمَانِ لَهُ، كَتَفْجِيرِ الْيَنَابِيعِ وَالْأَنْهَارِ مِنْ أَرْضِ مَكَّةَ وَإِيجَادِ الْجَنَّاتِ وَالْبَسَاتِينِ فِيهَا، وَإِسْقَاطِ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ كِسَفًا، وَالْإِتْيَانِ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اقْتَرَحُوهُ وَحَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي " سُورَةِ الْإِسْرَاءِ " وَغَيْرِهَا.


الصفحة التالية
Icon