أما في الأقوال، فلقوله تعالى :﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْل إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ وأما في الأعمال فلقوله تعالى :﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين * كِرَاماً كاتبين * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [ الانفطار : ١٠-١٢ ] فأما الإيمان والكفر والإخلاص والإشراك فلم يدل الدليل على اطلاع الملائكة عليها.
البحث الثالث : ذكروا في فائدة جعل الملائكة موكلين على بني آدم وجوهاً : الأول : أن المكلف إذا علم أن الملائكة موكلون به يحصون عليه أعماله ويكتبونها في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في مواقف القيامة كان ذلك أزجر له عن القبائح.
الثاني : يحتمل في الكتابة أن يكون الفائدة فيها أن توزن تلك الصحائف يوم القيامة لأن وزن الأعمال غير ممكن، أما وزن الصحائف فممكن.
الثالث : يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد.
ويجب علينا الإيمان بكل ما ورد به الشرع سواء عقلنا الوجه فيه أو لم نعقل، فهذا حاصل ما قاله أهل الشريعة وأما أهل الحكمة فقد اختلفت أقوالهم في هذا الباب على وجوه :
الوجه الأول : قال المتأخرون منهم :﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ ومن جملة ذلك القهر أنه خلط الطبائع المتضادة ومزج بين العناصر المتنافرة، فلما حصل بينها امتزاج استعد ذلك الممتزج بسبب ذلك الامتزاج لقبول النفس المدبرة والقوى الحسية والحركية والنطقية فقالوا المراد من قوله :﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ تلك النفوس والقوى، فإنها هى التي تحفظ تلك الطبائع المقهورة على امتزاجاتها.