وقال أبو حيان :
﴿ وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ﴾
تقدم الكلام في تفسير وهو القاهر فوق عباده.
قال هنا ابن عطية :﴿ القاهر ﴾ أن أخذ صفة فعل أي مظهر القهر بالصواعق والرياح والعذاب، فيصح أن تجعل ﴿ فوق ﴾ ظرفية للجهة لأن هذه الأشياء إنما تعاهدها للعباد من فوقهم وإن أخذ ﴿ القاهر ﴾ صفة ذات بمعنى القدرة والاستيلاء ففوق لا يجوز أن يكون للجهة وإنما هو لعلو القدر والشأن، كما تقول : الياقوت فوق الحديد ؛ انتهى.
وظاهر ﴿ ويرسل ﴾ أن يكون معطوفاً على ﴿ وهو القاهر ﴾ عطف جملة فعلية على جملة اسمية وهي من آثار القهر.
وجوز أبو البقاء أن تكون معطوفة على قوله :﴿ يتوفاكم ﴾ وما بعده من الأفعال وأن يكون معطوفاً على ﴿ القاهر ﴾ التقدير وهو الذي يقهر ويرسل، وأن يكون حالاً على إضمار مبتدإ أي وهو يرسل وذو الحال إما الضمير في ﴿ القاهر ﴾ وإما الضمير في الظرف وهذا أضعف هذه الأعاريب، ﴿ وعليكم ﴾ ظاهره أنه متعلق بيرسل كقوله :﴿ يرسل عليكما شواظ ﴾ ولفظة على مشعرة بالعلو والاستعلاء لتمكنهم منا جعلوا كان ذلك علينا ويحتمل أن يكون متعلقاً بحفظة أي ويرسل حفظة عليكم أي يحفظون عليكم أعمالكم، كما قال :﴿ وإن عليكم لحافظين ﴾ كما تقول : حفظت عليك ما تعمل.
وجوّزوا أن يكون حالاً لأنه لو يتأخر لكان صفة أي حفظه كائنة عليكم أي مستولين عليكم و﴿ حفظة ﴾ جمع حافظ وهو جمع منقاس لفاعل وصفاً مذكراً صحيح اللام عاقلاً وقل فيما لا يعقل.
قال الزمخشري : أي ملائكة حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون ؛ انتهى.
وقال ابن عطية : المراد بذلك الملائكة الموكلون بكتب الأعمال ؛ انتهى.
وما قالاه هو قول ابن عباس وظاهر الجمع أنه مقابل الجمع ولم تتعرض الآية لعدد ما على كل واحد ولا لما يحفظون عليه.
وعن ابن عباس : ملكان مع كل إنسان أحدهما عن يمينه للحسنات، والآخر عن شماله للسيئات وإذا عمل سيئة قال من على اليمين : انتظره لعله يتوب منها فإن لم يتب كتبت عليه.