فصل


قال الفخر :
قوله :﴿إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ﴾ فيه قولان : الأول : أن ذلك الكتاب المبين هو علم الله تعالى لا غير.
وهذا هو الصواب.
والثاني : قال الزجاج : يجوز أن يكون الله جل ثناؤه أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق كما قال عز وجل :﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأرض وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كتاب مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ [ الحديد : ٢٢ ] وفائدة هذا الكتاب أمور : أحدها : أنه تعالى إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاذ علم الله تعالى في المعلومات وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء.
فيكون في ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم فيجدونه موافقاً له.
وثانيها : يجوز أن يقال إنه تعالى ذكر ما ذكر من الورقة والحبة تنبيهاً للمكلفين على أمر الحساب وإعلاماً بأنه لا يفوته من كل ما يصنعون في الدنيا شيء : لأنه إذا كان لا يهمل الأحوال التي ليس فيها ثواب ولا عقاب ولا تكليف فبأن لا يهمل الأحول المشتملة على الثواب والعقاب أولى.
وثالثها : أنه تعالى علم أحوال جميع الموجودات فيمتنع تغييرها عن مقتضى ذلك العلم، وإلا لزم الجهل.
فإذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام امتنع أيضاً تغييرها وإلا لزم الكذب فتصير كتبة جملة الأحوال في ذلك الكتاب موجباً تاماً وسبباً كاملاً في أنه يمتنع تقدم ما تأخر وتأخر ما تقدم كما قال صلوات الله عليه :" جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٠ ـ ١١﴾
وقال أبو السعود :
وقولُه تعالى :﴿ إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ ﴾ بدلٌ من الاستثناءِ الأول بدلَ الكلِّ ( من الكل ) على أن الكتابَ المُبِينَ عبارةٌ عن علمه تعالى أو بدلَ الاشتمالِ على أنه عبارةٌ عن اللوحِ المحفوظ، وقرىء الأخيران بالرفع عطفاً على محلِّ ( من ورقة ) وقيل : رفعُهما بالابتداء والخبرُ ( إلا في كتاب مبين ) وهو الأنسبُ بالمقام لشمول الرطبِ واليابس حينئذ لِما ليس من شأنه السقوطُ، وقد نُقل قراءةُ الرفعِ في ( ولا حبةٌ ) أيضاً. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon