وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر ﴾
هذا تماد في توبيخ العادلين بالله الأوثان، وتوقيفهم على سوء الفعل في عبادتهم الأصنام وتركهم الذي ينجي من المهلكات ويلجأ إليه في الشدائد، و﴿ من ﴾ استفهام رفع بالابتداء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " من ينَجّيكم قل الله يَنجّيكم " بتشديد الجيم وفتح النون، وقرأ أبو عمرو في رواية علي بن نصر عنه وحميد بن قيس ويعقوب " ينْجِيكم " فيها بتخفيف الجيم وسكون النون، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالتشديد في الأولى والتخفيف في الثانية فجمعوا بين التعدية بالألف والتعدية بالتضعيف كما جاء ذلك في قوله تعالى :﴿ فمهِّل الكافرين أمْهِلهم رويداً ﴾ [ الطارق : ١٧ ] و﴿ ظلمات البر والبحر ﴾ يراد به شدائدهما، فهو لفظ عام يستغرق ما كان من الشدائد بظلمة حقيقية وما كان بغير ظلمة، والعرب تقول عام أسود ويوم مظلوم ويوم ذو كواكب ونحو هذا يريدون به الشدة، قال قتادة : المعنى من كرب البر والبحر، وقاله الزجّاج و﴿ تدعونه ﴾ في موضع الحال و﴿ تضرعاً ﴾ نصب على المصدر والعامل فيه ﴿ تدعونه ﴾، والتضرع صفة بادية على الإنسان، ﴿ وخفية ﴾ معناه الاختفاء والسر، فكأن نسق القول : تدعونه جهراً وسراً هذه العبارة بمعان زائدة، وقرأ الجميع غير عاصم :" وخُفية " بضم الخاء، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر " وخِفية " بكسر الخاء، وقرأ الأعمش :" وخيفة " من الخوف وقرأ الحجازيون وأهل الشام :" أنجيتنا "، وقرأ الكوفيون " أنجانا " على ذكر الغائب، وأمال حمزة والكسائي الجيم، و﴿ من الشاكرين ﴾ أي على الحقيقة، والشكر على الحقيقة يتضمن الإيمان، وحكى الطبري في قوله ﴿ ظلمات ﴾ أنه ضلال الطرق في الظلمات ونحوه المهدوي أنه ظلام الليل والغيم والبحر.