﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ استئناف ابتدائي.
ولمَّا كان هذا الكلام تهديداً وافتتح بالاستفهام التقريري تعيَّن أنّ المقصود بضمائر الخطاب المشركون دون المسلمين.
وأصرح من ذلك قوله :﴿ ثم أنتم تشركون ﴾.
وإعادة الأمر بالقول للاهتمام، كما تقدّم بيانه عند قوله تعالى :﴿ قل أرأيتِكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ﴾ [ الأنعام : ٤٠ ] الآية.
والاستفهام مستعمل في التقرير والإلجاء، لكون ذلك لا ينازعون فيه بحسب عقائد الشرك.
والظلمات قيل على حقيقتها، فيتعيَّن تقدير مضاف، أي من إضرار ظلمات البرّ والبحر، فظلمات البرّ ظلمة الليل التي يلتبس فيها الطريق للسائر والتي يخشى فيها العدوّ للسائر وللقاطن، أي ما يحصل في ظلمات البرّ من الآفات.
وظلمات البحر يخشى فيها الغرق والضلال والعدوّ.
وقيل : أطلقت الظلمات مجازاً على المخاوف الحاصلة في البرّ والبحر، كما يقال : يوم مُظلم إذا حصلت فيه شدائد.
ومن أمثال العرب ( رأى الكواكب مُظْهِراً )، أي أظلم عليه يومه إظلاماً في عينيه لما لاقاه من الشدائد حتَّى صار كأنَّه ليل يرى فيه الكواكب.
والجمع على الوجهين روعي فيه تعدّد أنواع ما يعرض من الظلمات، على أنَّنا قدّمنا في أوّل السورة أنّ الجمع في لفظ الظلمات جَرى على قانون الفصاحة.
وجملة :﴿ تدعونه ﴾ حال من الضمير المنصوب في ﴿ يُنَجِّكُمْ ﴾.
وقرىء ﴿ من ينجِّيكم ﴾ بالتشديد لنافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وأبي جعفر، وخلف.
وقرأه يعقوب بالتخفيف.
والتضرّع : التذلّل، كما تقدّم في قوله :﴿ لعلَّهم يتضرّعون ﴾ في هذه السورة [ ٤٢ ].
وهو منصوب على الحال مؤوّلاً باسم الفاعل.
والخفية بضم الخاء وكسرها ضد الجهر.
وقرأه الجمهور بضم الخاء.
وقرأه أبو بكر عن عاصم بكسر الخاء وهو لغة مثل أسوة وإسوة.


الصفحة التالية
Icon