وزعم بعضهم أن الداعي إليه هو أن قوله تعالى :﴿ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ﴾ دال على حال اليقظة وكسبهم فيها، وكلمة ثم تقتضي تأخير البعث عنها فلهذا عدل الزمخشري إلى ما عدل إليه، وقال بعض المحققين : إن قوله سبحانه :﴿ وَيَعْلَمَ ﴾ الخ إشارة إلى ما كسب في النهار السابق على ذلك الليل والواو للحال ولا دلالة فيه على الإيقاظ من هذا التوفي وأن الإيقاظ متأخر عن التوفي وأن قولنا : يفعل ذلك التوفي لتقضى مدة الحياة المقدرة كلام منتظم غاية الانتظام، ولا يخفى أن فيه تكلفاً أيضاً مع أن واو الحال لا تدخل على المضارع إلا شذوذاً أو ضرورة في المشهور ووجه سنان التراخي المفاد بثم بأن حقيقة الإماتة في الليل تتحقق في أوله والإيقاظ متراخ عنه وإن لم يتراخ عن جملته واعترض بأنه حينئذٍ لا وجه لتوسيط ﴿ وَيَعْلَمَ ﴾ الخ بينهما وفيه نظر يعلم مما ذكرنا ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ ﴾ سبحانه لا إلى غيره أصلاً ﴿ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي رجوعكم ومصيركم بالموت ﴿ ثُمَّ يُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ بالمجازاة بأعمالكم التي كنتم داومتم على عملها في الدنيا. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾
عطف جملة ﴿ وهو الذي يتوفَّاكم ﴾ على جملة ﴿ وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ] انتقالاً من بيان سعة علمه إلى بيان عظيم قدرته لأنّ ذلك كلَّه من دلائل الإلهية تعليماً لأوليائه ونعياً على المشركين أعدائه.
وقد جرت عادة القرآن بذكر دلائل الوحدانية في أنفس الناس عقب ذكر دلائلها في الآفاق فجمع ذلك هنا على وجه بديع مؤذن بتعليم صفاته في ضمن دليل وحدانيته.
وفي هذا تقريب للبعث بعد الموت.
فقوله :﴿ وهو الذي يتوفَّاكم ﴾ صيغة قصر لتعريف جزأي الجملة، أي هو الذي يتوفَّى الأنفس دون الأصنام فإنَّها لا تملك موتاً ولا حياة.