فصل


قال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ﴾
فيمن أريد بهذه الآية ثلاثة أقوال.
أحدها : المشركون.
والثاني : اليهود.
والثالث : أصحاب الأهواء.
والآيات : القرآن.
وخوض المشركين فيه : تكذيبهم به، واستهزاؤهم، ويقاربه خوض اليهود، وخوض أهل الأهواء بالمراء والخصومات. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا ﴾ بالتكذيب والردّ والاستهزاء ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ والخطاب مجرّد للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل : إن المؤمنين داخلون في الخطاب معه.
وهو صحيح ؛ فإن العلة سماع الخوض في آيات الله، وذلك يشملهم وإياه.
وقيل : المراد به النبيّ ﷺ وحده ؛ لأن قيامه عن المشركين كان يشق عليهم، ولم يكن المؤمنون عندهم كذلك ؛ فأُمِر أن ينابذهم بالقيام عنهم إذا استهزءوا وخاضوا ليتأدّبوا بذلك ويدَعُوا الخوض والاستهزاء.
والخَوْض أصله في الماء، ثم استعمل بعدُ في غَمَرات الأشياء التي هي مجاهل، تشبيهاً بغَمَرات الماء فاستعير من المحسوس للمعقول.
وقيل : هو مأخوذ من الخلط.
وكل شيء خُضْتَه فقد خلطته ؛ ومنه خاض الماءَ بالعسل خلطه.
فأدّب الله عز وجل نبيه ( ﷺ ) بهذه الآية ؛ ( لأنه ) كان يقعد إلى قوم من المشرِكينَ يَعِظهم ويدعوهم فيستهزءون بالقرآن ؛ فأمره الله أن يُعرض عنهم إعراضَ مُنْكِر.
ودلّ بهذا على أن الرجل إذا علم من الآخر منكَراً وعلم أنه لا يقبل منه فعليه أن يُعرض عنه إعراض منكر ولا يُقبل عليه.
وروى شِبْل عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد في قوله :"وَإِذَا رَأْيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا" قال : هم الذين يستهزءون بكتاب الله، نهاه الله عن أن يجلس معهم إلاّ أن ينسى فإذا ذَكَر قام.
وروى وَرْقَاء عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد قال : هم الذين يقولون في القرآن غير الحق. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٧ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon