وذكر القاضي أنهم اختلفوا في جواز السهو عليه ﷺ في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوزه الجمهور.
وأما السهو في الأقوال البلاغية فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده، وأما السهو في الأقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحي فيجوزه قوم إذ لا مفسدة فيه، ثم قال : والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من قال : يمتنع ذلك على الأنبياء عليهم السلام في كل خبر من الأخبار كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمداً ولا سهواً لا في صحة ولا مرض ولا رضى ولا غضب، وحسبك في ذلك أن سِيَره ﷺ وكلامه وأفعاله مجموعة يعتنى بها على مر الزمان ويتناولها الموافق والمخالف والمؤمن والمرتاب فلم يأت في شيء منها استدراك غلط في قول ولا اعتراف بوهم في كلمة ولو كان لنقل كما نقل سهوه في الصلاة ونومه عليه الصلاة والسلام عنها واستدراكه رأيه في تلقيح النخل وفي نزوله بأدنى مياه بدر إلى غير ذلك.
وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة الكلام على هذا المبحث عند تفسير قوله تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ ﴾ [ الحج : ٥٢ ] الآية.
وقرأ ابن عامر ﴿ يُنسِيَنَّكَ ﴾ بتشديد السين ونسي بمعنى أنسى، وقال ابن عطية : نسي أبلغ من أنسى والنون في القراءتين مشددة وهي نون التوكيد، والمشهور أنها لازمة في الفعل الواقع بعد أن الشرطية المصحوبة بما الزائدة، وقيل : لا يلزم فيه ذلك، وعليه قول ابن دريد
: أما ترى رأسي حاكي لونه...
طرة صبح تحت أذيال الدجى
: أما ترى رأسي حاكي لونه...
طرة صبح تحت أذيال الدجى


الصفحة التالية
Icon