والذكرى اسم مصدر ذكَّر بالتشديد بمعنى وعظ، كقوله تعالى :﴿ تبصرة وذكرى لكلّ عبد منيب ﴾ [ ق : ٨ ]، أي عليهم إن سمعُوهم يستهزئون أن يعظُوهم ويُخوّفوهم غضب الله فيجوز أن يكون ﴿ ذكرى ﴾ منصوباً على المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله.
والتقدير : ولكن يُذكّرونهم ذكرى.
ويجوز أن يكون ذكرى مرفوعاً على الابتداء، والتقدير : ولكن عليهم ذكرى.
وضمير ﴿ لعلَّهم يتَّقون ﴾ عائد إلى ما عاد إليه ضمير ﴿ حسابهم ﴾ أي لعلّ الذين يخوضون في الآيات يتَّقون، أي يتركون الخوض.
وعلى هذا فالتقوى مستعملة في معناها اللغوي دون الشرعي.
ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى ﴿ الذين يتَّقون ﴾، أي ولكن عليهم الذكرى لعلَّهم يتَّقون بتحصيل واجب النهي عن المنكر أو لعلَّهم يستمرّون على تقواهم.
وعن الكسائي : المعنى ولكن هذه ذكرى، أي قوله :﴿ وإمَّا ينسينَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ﴾ [ الأنعام : ٦٨ ] تذكرة لك وليست مؤاخذة بالنسيان، إذ ليس على المتَّقين تبعة سماع استهزاء المستهزئين ولكنّا ذكَّرناهم بالإعراض عنهم لعلَّهم يتَّقون سماعهم.
والجمهور على أنّ هذه الآية ليست بمنسوخة.
وعن ابن عبَّاس والسدّي أنَّها منسوخة بقوله تعالى في سورة [ النساء : ١٤٠ ] ﴿ وقد نزّل عليكم في الكتاب أنْ إذا سمعتم آيات الله يُكْفَرُ بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتَّى يخُوضُوا في حديث غيره إنَّكم إذن مثلهم بناء على رأيهم أنّ قوله : وما على الذين يتَّقون من حسابهم من شيء ﴾ أباح للمؤمنين القعود ولم يمنعه إلاّ على النبي ﷺ بقوله :﴿ وإذا رأيتَ الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ﴾ [ الأنعام : ٦٨ ] كما تقدّم آنفاً. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾