وقال أبو السعود :
وقوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً ﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لبيان أنه تعالى هو القادرُ على إلقائهم في المهالك إثرَ بيانِ أنه هو المُنْجي لهم منها، وفيه وعيدٌ ضمنيٌّ بالعذاب لإشراكهم المذكورِ على طريقة قولِه عز وجل :﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى ﴾ الآية، و( عليكم ) متعلقٌ ( بيبعثَ ) وتقديمُه على مفعوله الصريح للاعتناء به والمسارعةِ إلى بيان كون المبعوثِ مما يضرُّهم، ولتهويل أمْرِ المؤخرِ. وقوله تعالى :﴿ مّن فَوْقِكُمْ ﴾ متعلقٌ به أيضاً أو بمحذوف وقع صفةً لعذاباً أي عذاباً كائناً من جهة الفوق كما فَعَل بمن فَعَل من قوم لوطٍ وأصحابِ الفيل وأضرابِهم ﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ أو من جهة السُفلِ كما فعل بفِرْعونَ وقارونَ، وقيل :( مِنْ فوقكم ) أكابِرُكم ورؤسائِكم و( من تحت أرجلِكم ) سفلتُكم وعبيدُكم، وكلمة أو لمنع الخُلوّ دون الجمع، فلا منْعَ لما كان من الجهتين معاً، كما فُعل بقوم نوحٍ ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾ أي يخلطَكم فِرَقاً متحزّبين على أهواءَ شتّى، كلُّ فرقةٍ مشايعةٌ لإمامٍ فينشَبُ بينكم القتالُ فتختلطوا في الملاحم كقول الحَماسي :
وكتيبةٍ لبَّستُها بكتيبة... حتى إذا التَبَسَتْ نفضْتُ لها يدي


الصفحة التالية
Icon