والمقام الرابع : مناظرته مع الكفارة بالفعل، وهو قوله تعالى :﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ﴾ [ الأنبياء : ٥٨ ] ثم إن القوم قالوا :﴿حَرّقُوهُ وانصروا ءالِهَتَكُمْ﴾ [ الأنبياء : ٦٨ ] ثم إنه عليه السلام بعد هذه الواقعة بذل ولده فقال :﴿إِنّى أرى فِى المنام أَنّى أَذْبَحُكَ﴾ [ الصافات : ١٠٢ ] فعند هذا ثبت أن إبراهيم عليه السلام كان من الفتيان، لأنه سلم قلبه للعرفان ولسانه للبرهان وبدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان، ثم إنه عليه السلام سأل ربه فقال :﴿واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الأخرين﴾ [ الشعراء : ٨٤ ] فوجب في كرم الله تعالى أنه يجيب دعاءه ويحقق مطلوبه في هذا السؤال، فلا جرم أجاب دعاءه، وقبل نداءه وجعله مقبولاً لجميع الفرق والطوائف إلى قيام القيامة، ولما كان العرب معترفين بفضله لا جرم جعل الله تعالى مناظرته مع قومه حجة على مشركي العرب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٢٩﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه ليس في العالم أحد يثبت لله تعالى شريكاً يساويه في الوجوب والقدرة والعلم والحكمة، لكن الثنوية يثبتون إلهين، أحدهما حكيم يفعل الخير، والثاني سفيه يفعل الشر، وأما الاشتغال بعبادة غير الله.
ففي الذاهبين إليه كثرة.
فمنهم عبدة الكواكب، وهم فريقان منهم من يقول إنه سبحانه خلق هذه الكواكب، وفوض تدبير هذا العالم السفلي إليها، فهذه الكواكب هي المدبرات لهذا العالم، قالوا : فيجب علينا أن نعبد هذه الكواكب، ثم إن هذه الأفلاك والكواكب تعبد الله وتطبعه، ومنهم قوم غلاة ينكرون الصانع، ويقولون هذه الأفلاك والكواكب أجسام واجبة الوجود لذواتها ويمتنع عليها العدم والفناء، وهي المدبرة لأحوال هذا العالم الأسفل، وهؤلاء هم الدهرية الخالصة، وممن يعبد غير الله النصارى الذين يعبدون المسيح ومنهم أيضاً عبدة الأصنام.


الصفحة التالية
Icon