قال الواحدي رحمه الله : أخبرني أبو الفضل العروضي عن الأزهري عن المنذري عن أبي الهيثم : أنه قال ادعى قوم أن الصور جمع الصورة كما أن الصوف جمع الصوفة والثوم جمع الثومة، وروي ذلك عن أبي عبيدة قال أبو الهيثم، وهذا خطأ فاحش لأن الله تعالى قال :﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [ غافر : ٦٤ ] وقال :﴿وَنُفِخَ فِى الصور﴾ [ ياس : ٥١، الزمر : ٦٨ ] فمن قرأ ونفخ في الصور، وقرأ ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ فقد افترى الكذب، وبدل كتاب الله، وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغرائب، ولم يكن له معرفة بالنحو، قال الفراء : كل جمع على لفظ الواحد المذكر سبق جمعه واحده، فواحده بزيادة هاء فيه، وذلك مثل الصوف والوبر والشعر والقطن والعشب فكل واحد من هذه الأسماء اسم لجميع جنسه، وإذا أفردت واحدته زيدت فيها هاء لأن جمع هذا الباب سبق واحده، ولو أن الصوفة كانت سابقة للصوف لقالوا صوفة وصوف وبسرة وبسر كما قالوا غرفة وغرف، وزلفة وزلف، وأما الصور القرن فهو واحد لا يجوز أن يقال واحدته صورة وإنما تجمع صورة الإنسان صوراً لأن واحدته سبقت جمعه، قال الأزهري : قد أحسن أبو الهيثم في هذا الكلام، ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه، وأقول : ومما يقوي هذا الوجه أنه لو كان المراد نفخ الروح في تلك الصور لأضاف تعالى ذلك النفخ إلى نفسه لأن نفخ الأرواح في الصور يضيفه الله إلى نفسه، كما قال :﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ [ الحجر : ٢٩ ] وقال :﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ وقال :﴿ثُمَّ أنشأناه خلقاً آخر﴾ وأما نفح الصور بمعنى النفخ في القرن، فإنه تعالى يضيفه لا إلى نفسه كما قال :﴿فَإِذَا نُقِرَ فِى الناقور﴾ [ المدثر : ٨ ] وقال :﴿وَنُفِخَ فِى الصور فَصَعِقَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض...
ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾
[ الزمر : ٦٨ ] فهذا تمام القول في هذا البحث، والله أعلم بالصواب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٢٨﴾


الصفحة التالية
Icon