الحجة الخامسة : أن دلائل الحدوث في الأفلاك ظاهرة من خمسة عشر وجهاً وأكثر ومع هذه الوجوه الظاهرة كيف يليق بأقل العقلاء نصيباً من العقل والفهم أن يقول بربوبية الكواكب فضلاً عن أعقل العقلاء واعلم العلماء ؟
الحجة السادسة : أنه تعالى قال في صفة إبراهيم عليه السلام :﴿إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [ الصافات : ٨٤ ] وأقل مراتب القلب السليم أن يكون سليماً عن الكفر، وأيضاً مدحه فقال :﴿وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالمين﴾ [ الأنبياء : ٥١ ] أي آتيناه رشده من قبل من أول زمان الفكرة.
وقوله :﴿وَكُنَّا بِهِ عالمين﴾ أي بطهارته وكماله ونظيره قوله تعالى :﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ].
الحجة السابعة : قوله :﴿وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ السموات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين﴾ أي وليكون بسبب تلك الإراءة من الموقنين.
ثم قال بعده :﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل﴾ والفاء تقتضي الترتيب، فثبت أن هذه الواقعة إنما وقعت بعد أن صار إبراهيم من الموقنين العارفين بربه.
الحجة الثامنة : أن هذه الواقعة إنما حصلت بسبب مناظرة إبراهيم عليه السلام مع قومه، والدليل عليه أنه تعالى لما ذكر هذه القصة قال :﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتيناها إبراهيم على قَوْمِهِ﴾ ولم يقل على نفسه، فعلم أن هذه المباحثة إنما جرت مع قومه لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد.
لا لأجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والمعرفة لنفسه.
الحجة التاسعة : أن القوم يقولون إن إبراهيم عليه السلام إنما اشتغل بالنظر في الكواكب والقمر والشمس حال ما كان في الغار، وهذا باطل.
لأنه لو كان الأمر كذلك، فكيف يقول ﴿يا قوم إنى بَرِىء مما تشْرِكونَ﴾ مع أنه ما كان في الغار لا قوم ولا صنم.


الصفحة التالية
Icon