الأول : أن يقال إن إبراهيم عليه السلام لم يقل هذا ربي، على سبيل الأخبار، بل الغرض منه أنه كان يناظر عبدة الكوكب وكان مذهبهم أن الكوكب ربهم وآلههم، فذكر إبراهيم عليه السلام ذلك القول الذي قالوه بلفظهم وعبارتهم حتى يرجع إليه فيبطله، ومثاله : أن الواحد منا إذا ناظر من يقول بقدم الجسم، فيقول : الجسم قديم ؟ فإذا كان كذلك، فلم نراه ونشاهده مركباً متغيراً ؟ فهو إنما قال الجسم قديم إعادة لكلام الخصم حتى يلزم المحال عليه، فكذا ههنا قال :﴿هذا رَبّى﴾ والمقصود منه حكاية قول الخصم، ثم ذكر غقيبه ما يدل على فساده وهو قوله :﴿لا أُحِبُّ الآفلين﴾ وهذا الوجه هو المتعمد في الجواب، والدليل عليه : أنه تعالى دل في أول الآية على هذه المناظرة بقوله تعالى :﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتيناها إبراهيم على قَوْمِهِ ﴾.
والوجه الثاني في التأويل : أن نقول قوله :﴿هذا رَبّى﴾ معناه هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره أن يقول الموحد للمجسم على سبيل الاستهزاء : أن إلهه جسم محدود أي في زعمه واعتقاده قال تعالى :﴿وانظر إلى إلهك الذى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً﴾ [ طه : ٩٧ ] وقال تعالى :﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكآءِيَ﴾ [ القصص : ٦٢ ] وكان صلوات الله عليه يقول :" يا إله الآلهة "
والمراد أنه تعالى إله الآلهة في زعمهم وقال :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [ الدخان : ٤٩ ] أي عند نفسك.
والوجه الثالث في الجواب : أن المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء عنه لدلالة الكلام عليه.
والوجه الرابع : أن يكون القول مضمراً فيه، والتقدير : قال يقولون هذا ربي.


الصفحة التالية
Icon