وجَنان الليل ادلهمامه وستره.
قال الشاعر :
ولولا جَنان الليل أدركَ رَكْضُنَا...
بذِي الرِّمْثِ والأَرْطَى عِيَاضَ بنَ ناشبِ
ويقال : جُنون الليل أيضاً.
ويقال : جَنّه الليل وأجَنّه الليل، لغتان.
﴿ رَأَى كَوْكَباً ﴾ هذه قصّة أخرى، غير قصّة عرض المَلَكوت عليه.
فقيل : رأى ذلك من شَقّ الصخرة الموضوعة على رأس السَّرَب.
وقيل : لما أخرجه أبوه من السَّرَب وكان وقت غيبوبة الشمسِ فرأى الإبلَ والخيلَ والغَنم فقال : لا بدّ لها من رَبّ.
ورأى المُشْتَرِي أو الزُّهْرة ثم القمرَ ثم الشمس، وكان هذا في آخر الشهر.
قال محمد بن إسحاق : وكان ابن خمسَ عشرة سنة.
وقيل : ابن سبع سنين.
وقيل : لما حاجّ نمروذاً كان ابن سبع عشرة سنة.
قوله تعالى :﴿ قَالَ هذا رَبِّي ﴾ اختُلف في معناه على أقوال ؛ فقيل : كان هذا منه في مُهْلة النظر وحال الطفُولِيّة وقبل قيام الحجة ؛ وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان.
فاستدلّ قائلو هذه المقالة بما روي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال :"فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي" فعبده حتى غاب عنه، وكذلك الشمس والقمر ؛ فلما تَمّ نظره قال :"إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ".
واستدل بالأفول ؛ لأنه أظهرُ الآيات على الحدوث.
وقال قوم : هذا لا يصحّ ؛ وقالوا : غير جائز أن يكون لله تعالى رسولٌ يأتى عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى مُوَحِّد وبه عارف، ومِن كل معبود سواه بريء.
قالوا : وكيف يصحّ أن يتوهّم هذا على مَن عصمه الله وأتاه رُشده من قبلُ، وأراه مَلكوته ليكون من المُوقِنِين، ولا يجوزُ أن يُوصف بالخُلُّو عن المعرفة، بل عرف الربَّ أوّل النظر.


الصفحة التالية
Icon