وإذا ثبت حذف الأصْلِ، فليثبت حذف الفَرْعِ لئلا يلزم تَفْضِيلُ فَرْعٍ على أصله، وأيضاً فإنَّ ادِّعاءَ حذف نوع الرفع لا يُحْوِجُ على حَذْفٍ آخرن وحذف نون الوقاية قد يُحْوِجُ إلى ذلكن وبيانه بأنه إذا دَخَلَ نَاصِبٌ أو جازم على أحد هذه الأمثلة، فلو كان المحذوف نُونَ الوقاية لكان ينبغي أن تُحْذَفَ هذه النون، وهي تسقط للناصب والجازم، بخلاف ادِّعاءِ حذف نون الرفع، فإنه لا يحوج إلى ذلك ؛ لأنه لا عمل له في الَّتِي للوقاية.
ولقائل أن يقول : لا يلزم من جوازِ حذفت الأصل حَذْفُ الفرع ؛ لأن في الأصل قوة تقتضي جوازَ حذفه، بخلاف نون الوقاية، ودخول الجازم والناصب لم نجد له شيئاً يحذفه ؛ لأن النون حذفت لعارِضٍ آخر.
واستدلُّوا لسيبويه بأن نون الوقاية مَكْسُورةٌ، فبقاؤها على حالها لا يلزم منه تغيير، بخلاف ما لو ادَّعَيْنَا حذفها، فإنَّا يلزمنا تغيير نون الرفع من فتح إلى كسر، وتعليل العمل أوْلى، واستدلوا أيضاً بأنها قد حذفت مع مثلها، وإن لم تكن نون وقاية ؛ كقوله :[ البسيط ]
٢٢٢٣ - كُلُّ نِيَّةٌ في بُغْضِ صَاحبهِ...
بِنِعْمَةِ اللَّهِ نَقْلِيكُمْ وَتَقْلُونَا
أي : وتَقْلُونَنَا، فاملحذوف نون الرفع لا نون " ن " ؛ لأنها ضميرن وعورض هذا بأن نون الرفع أيضا لها قوة لدلالتها على الإعرابن فحذفها أيضاً لا يجوز، وجعل سيبويه المحذوفة من قول الشاعر :[ الوافر ]
٢٢٢٤ - تَرَاهُ كالثَّغَامش يُعَلُّ مِسْكاً...
يَسُوءُ الفَالِيَاتِ إذَا فَلضيْنِي
نون الفاعنل لا نون الوقاية، واستدلَّ الأخفش بأن الثقل إنما حصل بالثانية ؛ ولأنه قد استْتُغْنِيَ عنها، فإنه إنما أتى بها لِتَقِيَ الفعل من الكسر، وهو مَأمُونٌ لوقوع الكسْرِ على نون الرفع، ولأنها لا تَدُلُّ على معنى، بخلاف نون الرفع، وأيضاً فإنها تُحْذَفُ في نحو ليتنين فيقال : ليتي ؛ كقوله :[ الوافر ]
٢٢٢٥ - كَمُنْيَةِ جَابِرٍ إذْ قَالَ : لَيْتِي...


الصفحة التالية
Icon