وقال أبو السعود :
وقوله تعالى :﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ﴾
استئنافٌ مَسوقٌ لنفي الخوفِ عنه عليه السلام بحسَب زعمِ الكفَرةِ بالطريق الإلزاميِّ كما سيأتي بعد نفيه عنه بحسب الواقع ونفسِ الأمر، والاستفهامُ لإنكار الوقوعِ ونفيِه بالكلية، كما في قوله تعالى :﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله ﴾ الآية، لا لإنكار الواقعِ واستبعادِه مع وقوعه، كما في قوله :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله ﴾ الخ، وفي توجيه الإنكارِ إلى كيفية الخوفِ من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقالَ أأخافُ لِما أن كلَّ موجود يجب أن يكونَ وجودُه على حال من الأحوال وكيفيةٍ من الكيفيات قطعاً، فإذا انتفى جميعُ أحواله وكيفياتِه فقد انتفى وجودُه من جميع الجهات بالطريق البرهاني، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله ﴾ حال من ضمير ( أخاف ) بتقدير مبتدأ والواوُ كافيةٌ في الربط من غير حاجة إلى الضمير العائد إلى ذي الحال، وهو مقرِّرٌ لإنكار الخوفِ ونفيِه عنه عليه السلام ومُفيدٌ لاعترافهم بذلك، فإنهم حيث لم يخافوا في محلِّ الخوف فلأَنْ لا يَخافُ عليه السلام في محل الأمنِ أولى وأحرى، أي كيف أخافُ أنا ما ليس في حيز الخوفِ أصلاً وأنتم لا تخافون غائلةَ ما هو أعظمُ المخلوقات وأهولُها، وهو إشراكُكم بالله الذي ليس كمثله شيءٌ في الأرض ولا في السماء ما هو من جملة مخلوقاته، وإنما عبّر عنه بقوله تعالى :﴿ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ ﴾ أي بإشراكه ﴿ عَلَيْكُمْ سلطانا ﴾ على طريقة التهكّم مع الإيذان بأن الأمورَ الدينية لا يُعوَّل فيها إلا على الحُجة المنزلةِ من عند الله تعالى، وفي تعليق الخوفِ الثاني بإشراكهم من المبالغةِ ومراعاةِ حسنِ الأدب ما لا يخفى.