ومنهم من سلم أنه كان كلام ابراهيم بعد البلوغ ثم اختلفوا فمنهم من قال : يجوز أن يكون ذلك كلامه حال اشتغاله بالنظر والاستدلال ثم إنه لم يقل (هذا ربى) على سبيل الإخبار بل على سبيل الفرض كما أن الواحد منا إذا نظر في حدوث الأجسام فيقول : الجسم قديم ؟ لالان مراده الاخبار عن قدم الاجسام، بل لأنه يفرضها قديمة ليظهر ما يؤدى ذلك الفرض إليه من الفساد. فكذا هاهنا فرض ثم عقبه بما يدل على فساده وهو قوله (لا أحب الآفلين) * ومنهم من قال : تكلم بذلك بعد فراغه من النظر وصيرورته موقنا بالله، ثم اختلفوا فيه على وجوه خمسة فقيل : تكلم بذلك على معنى أن الأمر كذلك عندهم كما يقول أحدنا للمشبه على سبيل الانكار إن إلهه جسم متغير. وقال تعالى :(فانظر إلى إلهك) أي في زعمك وقيل : المراد منه الاستفهام، إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء عنه، وقيل : في الآية اختصار، وتقديره يقولون هذا ربى ونظيره (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا) أي ويقولان وقيل : أراد إبراهيم أن يبطل قولهم بتعظيم الكواكب. فأوهم من نفسه أنه يعظمها، ثم عقبه بذكر الاستدلال على بطلانه، وقيل : انهم دعوه إلى عبادة النجوم فقال مبينا لهم خطأهم (هذا ربى) الذى تدعونني إلى عبادته * والأصح من هذه الأقوال أن ذلك على وجه الاعتبار والاستدلال لا على وجه الاخبار ولذلك فان الله تعالى لم يذم إبراهيم عليه السلام على ذلك بل ذكره بالمدح والتعظيم وأنه أراه ذلك كى يكون من الموقنين، هذا هو البحث المشهور في الآية * وفيها ابحاث أخر من حيث أن بعض الملاحدة قال : إن إبراهيم استدل على الشئ بما لا يدل عليه. وذكر أشياء لا تصح، فكان الطعن متوجها، ونحن نذكر كل واحد من تلك الاسئلة الاربعة عشرة مع جوابه *