وقال أبو السعود :
﴿ الذين آمَنُواْ ﴾ استئنافٌ من جهته تعالى مبينٌ للجواب الحقِّ الذي لا محيدَ عنه أي الفريقُ الذين آمنوا ﴿ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم ﴾ ذلك أي لم يخلِطوه ﴿ بِظُلْمٍ ﴾ أي بشركٍ كما يفعلُه الفريقُ المشركون حيث يزعُمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل وأن عبادتَهم للأصنام من تتماتِ إيمانهم وأحكامِه لكونها لأجْل التقريبِ والشفاعة كما قالوا :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى ﴾ وهذا معنى الخلْطِ ﴿ أولئك ﴾ إشارةٌ إلى الموصول من حيث اتصافُه بما في حيز الصلة، وفي الإشارة إليه بعدَ وصْفِه بما ذُكر إيذانٌ بأنهم تميَّزوا بذلك عن غيرهم، وانتظموا في سلك الأمورِ المشاهَدة، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بعُلوِّ درجتِهم وبُعدِ منزلتهم في الشرف، وهو مبتدأ ثانٍ، وقولُه تعالى :﴿ لَهُمُ الأمن ﴾ جملة من خبرٍ مقدمٍ ومبتدأ مؤخَّرٍ وقعت خبراً لأولئك، وهو مع خبره خبرٌ للمبتدأ الأول الذي هو الموصول، ويجوز أن يكونَ ( أولئك ) بدلاً من الموصول أو عطفَ بيانٍ له، ولهم خبراً للموصول، والأمنُ فاعلاً للظرف لاعتماده على المبتدأ، ويجوز أن يكون لهم خبراً مقدماً، والأمنُ مبتدأً والجملةُ خبراً للموصول، ويجوز أن يكون أولئك مبتدأً ثانياً ( لهم ) خبره والأمن فاعلاً له، والجملة خبراً للموصول، أي أولئك الموصوفون بما ذُكر من الإيمان الخالصِ عن شَوْب الشرك لهم الأمنُ فقط ﴿ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ إلى الحق، ومَنْ عداهم في ضلال مبين. روي أنه لما نزلت الآيةُ شقَّ ذلك على الصحابة رضوانُ الله عليهم وقالوا : أينا لم يظْلِمْ نفسه؟ فقال عليه الصلاة والسلام :" ليس ما تظنون، إنما هو ما قال لقمانُ لابنه : يا بني لا تُشرِكْ بالله إن الشرْكَ لظُلم عظيم " وليس الإيمانُ به أن يُصَدِّقَ بوجود الصانعِ الحكيم ويخلِطَ بهذا التصديق الإشراكَ به، وليس من قضية الخلطِ بقاءُ الأصلِ بعد الخلطِ حقيقةً، وقيل :
المرادُ بالظلم المعصيةُ التي تُفسِّق صاحبَها، والظاهرُ هو الأولُ لوروده موردَ الجواب عن حال الفريقين. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾