و ﴿ في ﴾ للظرفية المجازية متعلّقة بـ ﴿ تحاجّوني ﴾ ودخولها على اسم الجلالة على تقدير مضاف، لأنّ المحاجَّة لا تكون في الذّوات، فتعيّن تقدير ما يصلح له المقام وهو صفات الله الدّالَّة على أنَّه واحد، أي في توحيد الله وهذا كقوله تعالى :﴿ يُجَادلُنا في قوم لُوط ﴾ [ هود : ٧٤ ] أي في استئصالهم.
وجملة ﴿ وقد هدانِ ﴾ حال مؤكَّدة للإنكار، أي لا جدوى لمحاجَّتكم إيّاي بعد أن هداني الله إلى الحقّ، وشأن الحال المؤكّدة للإنكار أن يكون اتّصاف صاحبها بها معروفاً عند المخاطب.
فالظاهر أنّ إبراهيم نزّلهم في خطابه منزلةَ من يعلم أنّ الله هَداه كناية على ظهور دلائل الهداية.
وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو جعفر ﴿ أتحاجّوني ﴾ بنون واحدة خفيفة وأصله أتحاجّونني بنونين فحذفت إحداهما للتخفيف، والمحذوفة هي الثانية التي هي نون الوقاية على مختار أبي علي الفارسي.
قال : لأنّ الأولى نون الإعراب وأمّا الثّانية فهي موطّئة لياء المتكلّم فيجوز حذفها تخفيفاً، كما قالوا : ليْتِي في لَيْتَنِي.
وذهب سيبويه أنّ المحذوفة هي الأولى لأنّ الثانية جلبت لتحْمِل الكسرة المناسبة للياء ونون الرفع لا تكون مكسورة، وأيَّاً ما كان فهذا الحذف مستعمل لقصد التخفيف.
وعن أبي عمرو بن العلاء : أنّ هذه القراءة لحن، فإن صحّ ذلك عنه فهو مخطىء في زعمه، أو أخْطَأ من عزاه إليه.
وقرأه البقية بتشديد النّون لإدغام نون الرفع في نون الوقاية لقصد التخفيف أيضاً، ولذلك تمدّ الواو لتكون المدّة فاصلة بين التقاء الساكنين، لأنّ المدّة خفّة وهذا الالتقاءُ هو الذي يدعونه التقاء الساكنين على حَدّه.
وحذفت ياء المتكلّم في قوله ﴿ وقد هدانِ ﴾ للتخفيف وصلاً ووقفاً في قراءة نافع من رواية قالون، وفي الوقف فقط في قراءة بعض العشرة.
وقد تقدّم في قوله تعالى :﴿ أجيب دعوة الداعي إذا دَعَانِ ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ].