هذا وقد ذكر الإمام في هذه الآيات الإبراهيمية عدة أحكام، الأول :"أن قوله سبحانه :﴿ لا أُحِبُّ الآفلين ﴾ [ الأنعام : ٧٦ ] يدل على أنه عز وجل ليس بجسم إذ لو كان جسماً لكان غائباً عنا ( أبداً ) فيكون آفلاً ( أبداً ) " والأفول ينافي الربوبية، ولا يخفى أن عد تلك الغيبة المفروصة أفولاً لا يخلو عن شيء لأن الأفول احتجاب مع انتقال وتلك الغيبة المفروضة لم تكن كذلك بل هي مجرد احتجاب فيما يظهر نعم إنه ينافي الربوبية أيضاً لكن الكلام في كونه أفولاً ليتم الاحتجاج بالآية، لا يقال قد جاء في حديث الإسراء ذكر الحجاب فكيف يصح القول بأن الاحتجاب مناف للربوبية لأنا نقول : الحجاب الوارد كما قال القاضي عياض إنما هو في حق العباد لا في حقه تعالى فهم المحجوبون والباري جل اسمه منزه عما يحجبه إذ الحجاب إنما يحيط بمقدر محسوس، ونص غير واحد أن ذكر الحجاب له تعالى تمثيل لمنعه الخلق عن رؤيته.
وقال السيد النقيب في "الدرر والغرر" العرب تستعمل الحجاب بمعنى الخفاء وعدم الظهور فيقول أحدهم لغيره إذا استبعد فهمه بيني وبينك حجاب ويقولون لما يستصعب طريقه : بيني وبينه كذا حجب وموانع وسواتر وما جرى مجرى ذلك.
والظاهر على هذا أن فيما ذكر مجاز في المفرد فتدبر.
الثاني :"أن هذه الآية تدل على أنه يمتنع أن يكون تعالى بحيث ينزل من العرش إلى السماء تارة ويصعد من السماء إلى العرش أخرى وإلا لحصل معنى الأفول.
وأنت تعلم أن الواصفين ربهم عز شأنه بصفة النزول حيث سمعوا حديثه الصحيح عن رسولهم ﷺ لا يقولون : إنه حركة وانتقال كما هو كذلك في الأجسام بل يفوضون تعيين المراد منه إلى الله تعالى بعد تنزيهه سبحانه عن مشابهة المخلوقين وحينئذ لا يرد عليه أنه في معنى الأفول الممتنع على الرب جل جلاله.