وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَادِيَّاتِ وَالْآثَارِ الْقَدِيمَةِ أَنَّ عَرَبَ الْجَزِيرَةَ قَدِ اسْتَعْمَرُوا مُنْذُ فَجْرِ التَّارِيخِ بِلَادَ الْكَلْدَانِ وَمِصْرَ، وَغَلَبَتْ لُغَتُهُمْ فِيهِمَا، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَلِكَ حَمُورَابِي الَّذِي كَانَ مُعَاصِرًا لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَبِيٌّ، وَحَمُورَابِي هَذَا هُوَ مُلْكِي صَادِقٌ مَلِكُ الْبِرِّ وَالسَّلَامِ، وَوُصِفَ فِي الْعَهْدِ الْعَتِيقِ بِأَنَّهُ كَاهِنُ اللهِ الْعَلِيِّ، وَذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ بَارَكَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَعْطَاهُ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَمِنَ الْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالتَّارِيخِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَسْكَنَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ مَعَ أُمِّهِ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فِي الْوَادِي الَّذِي بُنِيَتْ فِيهِ مَكَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُمَا جَمَاعَةً مِنْ جُرْهُمٍ سَكَنُوا مَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَزُورُهُمَا، وَأَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ إِسْمَاعِيلُ بَنَيَا بَيْتَ اللهِ الْمُحَرَّمَ، وَنَشَرَا دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ، فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ الْقَدِيمَةَ هِيَ لُغَةُ إِبْرَاهِيمَ وَهَاجَرَ، وَلُغَةُ حَمُورَابِي وَقَوْمِهِ، وَلُغَةُ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ أَوِ اللُّغَةُ الْغَالِبَةُ فِي ذَيْنِكَ الْقُطْرَيْنِ، وَأَنَّهَا عَلَى مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الدَّخِيلِ الْكَلْدَانِيِّ وَالْمِصْرِيِّ كَانَتْ قَرِيبَةً جِدًّا مِنَ الْعَرَبِيَّةِ الْجُرْهُمِيَّةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الَّذِينَ سَاكَنُوا هَاجَرَ مِنْ جُرْهُمٍ يَفْهَمُونَ مِنْهَا


الصفحة التالية
Icon