فإذا اعتبرنا هذا الوجه الذي راعيناه ظهر أن الترتيب حاصل في ذكر هؤلاء الأنبياء عليهم السلام بحسب هذا الوجه الذي شرحناه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥٢ ـ ٥٤﴾
فصل
قال الفخر :
قوله تعالى :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا﴾
اختلفوا في أنه تعالى إلى ماذا هداهم ؟ وكذا الكلام في قوله :﴿وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ﴾ وكذا قوله في آخر الآية :﴿ذلك هُدَى الله يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾.
قال بعض المحققين : المراد من هذه الهداية الثواب العظيم، وهي الهداية إلى طريق الجنة، وذلك لأنه تعالى لما ذكر هذه الهداية قال بعدها :﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ وذلك يدل على أن تلك الهداية كانت جزاء المحسنين على إحسانهم وجزاء المحسن على إحسانه لا يكون إلا الثواب، فثبت أن المراد من هذه الهداية هو الهداية إلى الجنة.
فأما الإرشاد إلى الدين وتحصيل المعرفة في قلبه، فإنه لا يكون جزاء له على عمله، وأيضاً لا يبعد أن يقال : المراد من هذه الهداية هو الهداية إلى الدين والمعرفة، وإنما ذلك كان جزاء على الإحسان الصادر منهم، لأنهم اجتهدوا في طلب الحق، فالله تعالى جازاهم على حسن طلبهم بإيصالهم إلى الحق، كما قال :﴿والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ﴾ [ العنكبوت : ٦٩ ].
والقول الثالث : أن المراد من هذه الهداية : الإرشاد إلى النبوة والرسالة، لأن الهداية المخصوصة بالأنبياء ليست إلا ذلك.
فإن قالوا : لو كان الأمر كذلك لكان قوله :﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ يقتضي أن تكون الرسالة جزاء على عمل، وذلك عندكم باطل.
قلنا : يحمل قوله :﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ على الجزاء الذي هو الثواب والكرامة، فيزول الإشكال. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥٤﴾