قال ابن عبّاسٍ وكان بطْنان ولدِ آدم أَحدُهما يسْكن السّهل والآخر يسكن الجَبَلَ، وكان رِجال / الجبل صِباحا وفى النّساء دَمامَة، وكانت نِساء السَّهْل صِباحا وفى الرجال دَمامةٌ، فكثرت الفاحشة من أَوْلاد قابِيلَ، وكانوا قد كَثروا فى طولِ الأَزْمانِ وأَكْثَرُوا الفساد، فأَرْسلَ الله تعالى إِليهم نوحا وهو ابن خَمْسِينَ سَنَة، فلبث فيهم أَلْفَ سَنَة إِلاَّ خَمْسِين عاما يدعوهم إِلى الله تعالَى كما أَخْبر الله تعالى به فى كتابه العزيز، وَيُحذِّرهم ويُخوِّفهم فلم يَنْزَجِرُوا ولهذا قال الله تعالى :﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِي إِلاَّ فِرَاراً﴾، وقال تعالى :﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾، فلمّا طال دُعاؤه لهم وإِيذاؤهم له، وتَماديهم فى غَيّهم سأَلَ اللهَ تعالَى فأَوْحَى إِليه ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾ ولمّا [أَخبره] أَنَّه لم يَبْقَ فى الأَصلابِ ولا الأَرْحامِ مؤمنٌ دَعا عليهم فقال :﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾، فأَمره الله تعالَى بإِيجادِ السفينة فقال : يا رَبِّ وأَيْنَ الخَشَب؟ فقال : اغْرِس الشَجَر.
فغرَسَ السّاجَ، وأَتى على ذلك أَربعون سنة، وكَفَّ عن الدعاء عليهم، وأَعْقَم الله تعالى أَرْحامَ نسائِهم فلم يُولَدْ لهم وَلَد.
فلمّا أَدرك الشَجَر أَمر الله تعالى بقَطْعِه وتَجْفِيفه وصُنْعِهِ الفُلْكَ، وأَعمله كيف يصنعه وجعل بابَهُ فى جنْبِه.
وكان طول السَّفِينة ثمانين ذِراعا وعرْضها خَمْسِين، وسَمْكها إِلى السّماء ثلاثين ذراعا، والذِراع من اليد إِلى المَنْكِب.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما أَنّ طولَها كان ستمائة ذِراعٍ وستُّون ذِراعا، وعرْضها ثلاثمائةٍ وثلاثين ذِراعا، وسَمْكها ثلاثةً وثلاثين ذراعا.


الصفحة التالية
Icon