فصل


قال الفخر :
في تفسير قوله تعالى :﴿مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ وجوه : قال ابن عباس : ما عظموا الله حق تعظيمه.
وروي عنه أيضاً أنه قال معناه : ما آمنوا إن الله على كل شيء قدير.
وقال أبو العالية : ما وصفوه حق صفته.
وقال الأخفش : ما عرفوه حق معرفته، وحقق الواحدي رحمه الله ذلك، فقال يقال : قدر الشيء إذا سبره وحرره، وأراد أن يعلم مقداره يقدره بالضم قدراً ومنه قوله عليه السلام :" وإن غم عليكم فاقدروا له " أي فاطلبوا أن تعرفوه هذا أصله في اللغة، ثم قال يقال لمن عرف شيئاً هو يقدر قدره، وإذا لم يعرفه بصفاته أنه لا يقدر قدره، فقوله :﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ صحيح في كل المعاني المذكورة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٦٠﴾

فصل


قال الفخر :
إنه تعالى لما حكى عنهم أَنَّهُمْ ﴿ ما قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ بين السبب فيه، وذلك هو قولهم ما أنزل الله علي بشر من شيء.
واعلم أن كل من أنكر النبوة والرسالة فهو في الحقيقة ما عرف الله حق معرفته، وتقريره من وجوه : الأول : أن منكر البعثة والرسالة إما أن يقول : إنه تعالى ما كلف أحداً من الخلق تكليفاً أصلاً، أو يقول : إنه تعالى كلفهم التكاليف، والأول باطل، لأن ذلك يقتضي أنه تعالى أباح لهم جميع المنكرات والقبائح نحو شتم الله، ووصفه بما لا يليق به، والاستخفاف بالأنبياء والرسل وأهل الدين، والإعراض عن شكر النعم، ومقابلة الإنعام بالإساءة.
ومعلوم أن كل ذلك باطل.
وإما أن يسلم أنه تعالى كلف الخلق بالأوامر والنواهي، فههنا لا بد من مبلغ وشارع ومبين، وما ذاك إلا الرسول.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : العقل كاف في إيجاب الواجبات واجتناب المقبحات ؟
قلنا : هب أن الأمر كما قلتم.
إلا أنه لا يمتنع تأكيد التعريف العقلي بالتعريفات المشروعة على ألسنة الأنبياء والرسل عليهم السلام.
فثبت أن كل من منع البعثة والرسالة فقد طعن في حكمة الله تعالى.
وكان ذلك جهلاً بصفة الإلهية، وحينئذ يصدق في حقه قوله تعالى :﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon