وكأنّهم اعتبروا القدوة اسماً جامداً واشتقّوا منه الافتعال للدّلالة على التّكلّف كما اشتقّوا من اسم الخريف اخترف، ومن الأسوة ائْتسى، وكما اشتقّوا من اسم النمر تَنَمَّر، ومن الحجَر تحجَّر.
وقد تستعمل القدوة اسم مصدر لاقتدى.
يقال : لي في فلان قُدوة كما في قوله تعالى :﴿ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ﴾ [ الممتحنة : ٦ ].
وفي قوله :﴿ فبهداهم اقتده ﴾ تعريض للمشركين بأنّ محمّداً ﷺ ما جاء إلاّ على سنّة الرّسل كلّهم وأنّه ما كان بدعاً من الرّسل.
وأمْرُ النّبيء ﷺ بالاقتداء بهُداهم يؤذن بأنّ الله زوى إليه كلّ فضيلة من فضائلهم الّتي اختصّ كلّ واحد بها سواء ما اتّفق منه واتّحد، أو اختلف وافترق، فإنّما يقتدي بما أطلعه الله عليه من فضائل الرّسل وسيرهم، وهو الخُلُق الموصوف بالعظيم في قوله تعالى :﴿ وإنّك لعلى خلق عظيم ﴾ [ القلم : ٤ ].
ويشمل هداهم ما كان منه راجعاً إلى أصول الشّرائع، وما كان منه راجعاً إلى زكاء النّفس وحسن الخُلق.
وأمّا مَا كان منه تفاريع عن ذلك وأحكاماً جزئيّة من كلّ ما أبلغه الله إيّاه بالوحي ولم يأمره باتّباعه في الإسلام ولا بيّن له نسخه، فقد اختلف علماؤنا في أنّ الشّرائع الإلهيّة السّابقة هل تعتبر أحكامها من شريعة الإسلام إذا أبلغها الله إلى الرّسول ﷺ ولم يجعل في شريعته ما ينسخها.