وفي "صحيح البخاري" في تفسير سورة ( ص ) عن العَوّام قال : سألت مجاهداً عن سجدة ص فقال : سألت ابن عبّاس من أين سجدتَ ( أي من أيّ دليل أخذت أن تسجد في هذه الآية، يريد أنّها حكاية عن سجود داوود وليس فيها صيغة أمر بالسجود ) فقال :"أوَمَا تقرأ ﴿ أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده ﴾ فكان داوود ممّن أمر نبيئُكم أن يقتدِي به فسجدها داوود فسجدها رسول الله".
والمذاهب في هذه المسألة أربعة : المذهب الأوّل : مذهب مالك فيما حكاه ابن بكير وعبدُ الوهّاب والقرافي ونسبوه إلى أكثر أصحاب مالك : أنّ شرائع من قبلنا تكون أحكاماً لنا، لأنّ الله أبلغها إلينا.
والحجّة على ذلك ما ثبت في الصحاح من أمر رسول الله ﷺ في قضية الرُّبَيْععِ بنتتِ النضر حين كسَرَتْ ثنيّة جاريةٍ عمداً أنْ تُكْسر ثنيّتها فراجعتْه أمّها وقالت : واللّهِ لا تُكْسَر ثنيّةُ الرّبيع فقال لها رسول الله ﷺ " كتابُ الله القصاص "، وليس في كتاب الله حكم القصاص في السنّ إلاّ ما حكاه عن شرع التّوراة بقوله ﴿ وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس إلى قوله والسنّ بالسنّ ﴾ [ المائدة : ٤٥ ].
وما في "الموطأ" أنّ رسول الله ﷺ قال : من نسي الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإنّ الله تعالى يقول في كتابه :﴿ أقِمْ الصّلاة لذِكْري ﴾ [ طه : ١٤ ] وإنّما قاله الله حكاية عن خِطابه لموسى عليه السلام، وبظاهر هذه الآية لأنّ الهدى مصدر مضاف فظاهره العموم، ولا يُسلّم كونُ السياق مخصّصاً له كما ذهب إليه الغزالي.
ونقل علماء المالكية عن أصحاب أبي حنيفة مثلَ هذا.
وكذلك نقل عنهم ابنُ حزم في كتابه "الإعراب في الحيرَة والالتباس الواقعين في مذاهب أهل الرأي والقياس".
وفي "توضيح" صدر الشريعة حكايتُه عن جماعة من أصحابهم ولم يُعيّنه.
ونقله القرطبي عن كثير من أصحاب الشافعي.
وهو منقول في كتب الحنفيّة عن عامّة أصحاب الشّافعي.