لا جرم اقتدى بهم في ذلك، فقال :﴿لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ ولا أطلب منكم مالاً ولا جعلاً ﴿إِنْ هُوَ﴾ يعني القرإن ﴿إِلاَّ ذكرى للعالمين﴾ يريد كونه مشتملاً على كل ما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم وقوله :﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى للعالمين﴾ يدل على أنه ﷺ مبعوث إلى كل أهل الدنيا لا إلى قوم دون قوم. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥٩﴾
وقال الآلوسى :
﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ ﴾ أي لا أطلب منكم ﴿ عَلَيْهِ ﴾ أي على القرآن أو على التبليغ فإن مساق الكلام يدل عليهما وإن لم يجر ذكرهما ﴿ أَجْراً ﴾ أي جعلاً قلَّ أو كثر كما لم يسأله من قبلي من الأنبياء عليهم السلام أممهم قيل : وهذا من جملة ما أمرنا بالاقتداء به من هداهم عليهم السلام، وهو ظاهر على ما قاله القطب لأن الكف عن أخذ أجر في مقابلة الإحسان من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وأما على قول من خص الهدى السابق بالأصول فقد قيل : إن بين القول به والقول بذلك الاختصاص تنافياً.
وأجيب بأن استفادة الاقتداء بالأصول من الأمر الأول لا ينافي أن يؤمر عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بأمر آخر كالتبليغ.
وتقديم المتعلق هناك إنما هو لنفي اتباع طريقة غيرهم في شيء آخر.
واستدل بالآية على أنه يحل أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام.
وفيه كلام للفقهاء على طوله مشهور غني عن البيان.
﴿ إِنْ هُوَ ﴾ أي ما القرآن ﴿ إِلاَّ ذكرى ﴾ أي تذكير فهو مصدر، وحمله على ضمير القرآن للمبالغة ولا حاجة لتأويله بمذكر ﴿ للعالمين ﴾ كافة فلا يختص به قوم دون ءاخرين.
واستدل بالآية على عموم بعثته صلى الله عليه وسلم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى للعالمين ﴾.
استئناف عُقّب به ذلك البيانُ العظيم الجامع لأحوال كثير من الأمم.


الصفحة التالية
Icon