وإذا ثبت هذا فنقول : دليل ثبات شرعهم كان مخصوصاً بتلك الأوقات لا في غير تلك الأوقات.
فكان الاقتداء بهم في ذلك الهدى هو أن يعلم وجوب تلك الأفعال في تلك الأوقات فقط، وكيف يستدل بذلك على اتباعهم في شرائعهم في كل الأوقات ؟ وثالثها : أن كونه عليه الصلاة والسلام متبعاً لهم في شرائعهم يوجب أن يكون منصبه أقل من منصبهم وذلك باطل بالإجماع، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يمكن حمل هذه الآية على وجوب الاقتداء بهم في شرائعهم.
والجواب عن الأول : أن قوله :﴿فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ يتناول الكل.
فأما ما ذكرتم من كون بعض الأحكام متناقضة بحسب شرائعهم.
فنقول : ذلك العام يجب تخصيصه في هذه الصورة فيبقى فيما عداها حجة.
وعن الثاني : أنه عليه الصلاة والسلام لو كان مأموراً بأن يستدل بالدليل الذي استدل به الأنبياء المتقدمون لم يكن ذلك متابعة، لأن المسلمين لما استدلوا بحدوث العالم على وجود الصانع لا يقال : إنهم متبعون لليهود والنصارى في هذا الباب، وذلك لأن المستدل بالدليل يكون أصيلاً في ذلك الحكم، ولا تعلق له بمن قبله ألبتة، والاقتداء والاتباع لا يحصل إلا إذا كان فعل الأول سبباً لوجوب الفعل على الثاني، وبهذا التقرير يسقط السؤال.
وعن الثالث : أنه تعالى أمر الرسول بالاقتداء بجميعهم في جميع الصفات الحميدة والأخلاق الشريفة، وذلك لا يوجب كونه أقل مرتبة منهم، بل يوجب كونه أعلى مرتبة من الكل على ما سيجيء تقريره بعد ذلك إن شاء الله تعالى، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن شرع من قبلنا يلزمنا. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥٧ ـ ٥٨﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon