وفيه عدول عن الظاهر حيث جعل ضمير ﴿ إِلَيْهِ ﴾ راجعاً للنبي ﷺ والواو في ﴿ وَلَمْ يُوحَ ﴾ للعطف والمتعاطفان مقول القول والمنساق للذهن جعل الضمير لمن والواو للحال وما بعدها من كلامه سبحانه وتعالى، وربما يقال لو قطع النظر عن سبب النزول : إن المراد بمن افترى على الله كذباً من أشرك بالله تعالى أحداً يحمل افتراء الكذب على أعظم أفراده، وهو الشك وكثير من الآيات يصدح بهذا المعنى وبمن قال :﴿ أُوحِىَ إِلَيْكَ ﴾ والحال لم يوح إليه مدعي النبوة كاذباً وبمن قال :﴿ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ الله ﴾ الطاعن في نبوة النبي عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل : من أظلم ممن أشرك بالله عز وجل أو ادعى النبوة كاذباً أو طعن في نبوة النبي ﷺ، وقد تقدم الكلام على مثل هذه الجملة الاستفهامية فتذكر وتدبر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
لمّا تقضّى إبطال ما زعموه من نفي الإرسال والإنزال والوحي، النّاشيءُ عن مقالهم الباطل، إذ قالوا ﴿ ما أنزل الله على بشر من شيء ﴾ [ الأنعام : ٩١ ]، وعقّب ذلك بإثبات ما لأجله جحدوا إرسال الرّسل وإنزال الوحي على بشر، وهو إثبات أنّ هذا الكتاب منزّل من الله، عُقّب بعد ذلك بإبطال ما اختلقه المشركون من الشّرائع الضّالة في أحوالهم الّتي شرعها لهم عَمْرو بن لُحَيّ من عبادة الأصنام، وزعمهم أنّهم شفعاءُ لهم عند الله، وما يستتبع ذلك من البحيرة، والسّائبة، وما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح، وغير ذلك.
فهم ينفون الرّسالة تارة في حين أنّهم يزعمون أنّ الله أمرهم بأشياء فكيف بلَغهم ما أمرهم الله به في زعمهم، وهم قد قالوا :﴿ ما أنزل الله على بشر من شيء ﴾ [ الأنعام : ٩١ ].
فلزمهم أنّهم قد كذَبوا على الله فيما زعموا أنّ الله أمرهم به لأنّهم عطّلوا طريق وصول مراد الله إلى خلقه وهو طريق الرّسالة فجاءوا بأعجب مقالة.