وأمّا ﴿ من قال سأنزل مثل ما أنزل الله ﴾، فقال الواحدي في "أسباب النّزول"، عن ابن عبّاس وعكرمة : أنّها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري وكان قد أسلم بمكّة، وكان يكتب الوحي للنّبيء ﷺ ثمّ ارتدّ وقال : أنا أقول مثل ما أنزل الله، استهزاء، وهذا أيضاً لا ينثلج له الصّدر لأنّ عبد الله بن أبي سرح ارتدّ بعد الهجرة ولحق بمكّة وهذه السّورة مكّية.
وذكر القرطبي عن عكرمة، وابنُ عطيّة عن الزّهراوي والمهدوي أنّها : نزلت في النضر بن الحارث كان يقول : أنا أعارض القرآن.
وحفظوا له أقوالاً، وذلك على سبيل الاستهزاء.
وقد رووا أنّ أحداً من المشركين قال : إنّما هو قول شاعر وإنّي سأنزل مثله ؛ وكان هذا قد تكرّر من المشركين كما أشار إليه القرآن، فالوجه أنّ المراد بالموصول العموم ليشمل كلّ من صدر منه هذا القول ومن يتابعهم عليه في المستقبل.
وقولهم :﴿ مثلَ ما أنزل الله إمّا أن يكونوا قالوا هذه العبارة سخرية كما قالوا : يا أيّها الّذي نُزّلَ عليه الذّكْر إنّك لمجنون ﴾ [ الحجر : ٦ ]، وإمّا أن يكون حكاية من الله تعالى بالمعنى، أي قال سأنزل مثل هذا الكلام، فعبَّر الله عنه بقوله :﴿ ما أنزل الله ﴾ كقوله: ﴿ وقولِهم إنَّا قتلْنا المسيحَ عيسى ابن مريم رسولَ الله ﴾ [ النساء : ١٥٧ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظالمون فِى غَمَرَاتِ الموت﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن أول الآية وهو قوله :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ يفيد التخويف العظيم على سبيل الإجمال وقوله بعد ذلك :﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظالمون فِى غَمَرَاتِ الموت﴾ كالتفصيل لذلك المجمل، والمراد بالظالمين الذين ذكرهم، وغمرات الموت جمع غمرة وهي شدة الموت، وغمرة كل شيء كثرته ومعظمه، ومنه غمرة الماء، وغمرة الحرب، ويقال غمره الشيء إذا علاه وغطاه.


الصفحة التالية