ولما كان ذكر البين في شيء يدل على قربه في الجملة وحضوره ولو في الذهن، لأنه يقال : بيني وبين كذا كذا، وكان فلان بيننا، ونحو ذلك مما يدل على الحضور ؛ قال منبهاً على زوال ذلك حتى بالمرور بالبال والخطور في الذهن لشدة الاشتغال ﴿بينكم﴾ فأسند القطع المبالغ فيه إلى البين، وإذا انقطع البين تقطّع ما كان فيه من الأسباب التي كانت تسبب الاتصال، فلم يبق لأحد منهم اتصال بالآخر، لأن ما بينهما صار كالخندق بانقطاع نفس البين، فلا يتأتى معه الوصول، هذا على قراءة الجماعة بالرفع، وهذا المثال معنى قراءة نافع والكسائي وحفص عن عاصم بالنصب على الظرفية ؛ ولما رجع المعنى إلى تقطع الوصل، بين سبب ذلك، وهو زوال المستند الذي كانوا يستندون إليه فقال :﴿وضل عنكم﴾ أي ذهب وبطل ﴿ما كنتم تزعمون﴾ أي من تلك الأباطيل كلها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٧٥ ـ ٦٧٦﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن قوله :﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى﴾
يحتمل وجهين :
الأول : أن يكون هذا معطوفاً على قول الملائكة ﴿أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ﴾ فبين تعالى أنهم كما يقولون ذلك على وجه التوبيخ، كذلك يقولون حكاية عن الله تعالى :﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى﴾ فيكون الكلام أجمع حكاية عنهم وأنهم يوردون ذلك على هؤلاء الكفار، وعلى هذا التقدير، فيحتمل أن يكون قائل هذا القول الملائكة الموكلين بقبض أرواحهم، ويحتمل أن يكون القائل هم الملائكة الموكلون بعقابهم.