وقوله :﴿ وما نرى معكم شفعاءكم ﴾ تهكّم بهم لأنّهم لا شفعاء لهم فسيق الخطاب إليهم مساق كلام من يترقّب، أي يرى شيئاً فلم يره على نحو قوله في الآية الأخرى ﴿ ويقول أين شركائي الّذين كنتم تُشَاقُّون فيهم ﴾ [ النحل : ٢٧ ]، بناء على أنّ نفي الوصف عن شيء يدلّ غالباً على وجود ذلك الشّيء، فكان في هذا القول إيهام أنّ شفعاءهم موجودون سوى أنّهم لم يحضروا، ولذلك جيء بالفعل المنفي بصيغة المضارع الدالّ على الحال دون الماضي ليشير إلى أنّ انتفاء رؤية الشّفعاء حاصل إلى الآن، ففيه إيهام أنّ رؤيتهم محتملة الحصول بعد في المستقبل، وذلك زيادة في التهكّم.
وأضيف الشّفعاء إلى ضمير المخاطبين لأنّه أريد شفعاء معهودون، وهم الآلهة الّتي عبدوها وقالوا :﴿ ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى ﴾ [ الزمر : ٣ ] ﴿ ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴾ [ يونس : ١٨ ].
وقد زيد تقرير هذا المعنى بوصفهم بقوله :﴿ الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء ﴾.
والزّعم : القول الباطل سواء كان عن تعمّد للباطل كما في قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك ﴾ [ النساء : ٦٠ ] أم كان عن سوء اعتقاد كما هنا، وقوله :﴿ ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للّذين أشركوا أين شركاؤكم الّذين كنتم تزعمون ﴾ [ الأنعام : ٢٢ ]، وقد تقدّم ذلك في هاتين الآيتين في سورة النساء وفي هذه السورة.