وثانيها : أن باطن الأرض جرم كثيف صلب لا تنفذ المسلة القوية فيه ولا يغوص السكين الحاد القوي فيه، ثم إنا نشاهد أطراف تلك العروق في غاية الدقة واللطافة بحيث لو دلكها الإنسان بأصبعه بأدنى قوة لصارت كالماء، ثم إنها مع غاية اللطافة تقوى على النفوذ في تلك الأرض الصلبة والغوص في بواطن تلك الأجرام الكثيفة، فحصول هذه القوى الشديدة لهذه الأجرام الضعيفة التي هي في غاية اللطافة لا بد وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم.
وثالثها : أنه يتولد من تلك النواة شجرة ويحصل في تلك الشجرة طبائع مختلفة، فإن قشر الخشبة له طبيعة مخصوصة، وفي داخل ذلك القشر جرم الخشبة وفي وسط تلك الخشبة جسم رخو ضعيف يشبه العهن المنفوش، ثم إنه يتولد من ساق الشجرة أغصانها ويتولد على الأغصان الأوراق أولاً، ثم الأزهار والأنوار ثانياً، ثم الفاكهة ثالثاً، ثم قد يحصل للفاكهة أربعة أنواع من القشر : مثل الجوز، فإن قشره الأعلى هو ذلك الأخضر، وتحت ذلك القشر الذي يشبه الخشب، وتحته ذلك القشر الذي هو كالغشاء الرقيق المحيط باللب، وتحته ذلك اللب، وذلك اللب مشتمل على جرم كثيف هو أيضاً كالقشر، وعلى جرم لطيف وهو الدهن، وهو المقصود الأصلي، فتولد هذه الأجسام المختلفة في طبائعها وصفاتها وألوانها وأشكالها وطعومها مع تساوي تأثيرات الطبائع والنجوم والفصول الأربعة والطبائع الأربع، يدل على أنها إنما حدثت بتدبير الحكيم الرحيم المختار القادر لا بتدبير الطبائع والعناصر.
ورابعها : أنك قد تجد الطبائع الأربع حاصلة في الفاكهة الواحدة، فالأترنج قشره حار يابس، ولحمه بارد رطب، وحماضه بارد يابس، وبذره حار يابس، وكذلك العنب قشره وعجمه بارد يابس، وماؤه ولحمه حار رطب، فتولد هذه الطبائع المضادة والخواص المتنافرة عن الحبة الواحدة لا بد وأن يكون بإيجاد الفاعل المختار.


الصفحة التالية
Icon