﴿ لِتَهْتَدُواْ بِهَا ﴾ بدل من ضمير ﴿ لَكُمْ ﴾ بإعادة العامل بدل اشتمال كأنه قيل : جعل النجوم لاهتدائكم ﴿ فِى ظلمات البر والبحر ﴾ أي في ظلمات الليل في البر والبحر، وإضافتها إليهما للملابسة أو في مشتبهات الطرق وسماها ظلمات على الاستعارة، وهذا إفراد لبعض منافعها بالذكر حسبما يقتضيه المقام وإلا فهي أجدى من تفاريق العصا، وهي في جميع ما يترتب عليها كسائر الأسباب العادية لا تأثير لها بأنفسها ولا بأس في تعلم علم النجوم ومعرفة البروج والمنازل والأوضاع ونحو ذلك مما يتوصل به إلى مصلحة دينية.
قال العلامة ابن حجر عليه الرحمة : والمنهي عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك يزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وافتراقها، وهذا علم استأثر الله تعالى به لا يعلمه أحد غيره فمن ادعى علمه بذلك فهو فاسق بل ربما يؤدي به إلى الكفر، فأما من يقول : إن الاقتران أو الافتراق الذي هو كذا جعله الله تعالى علامة بمقتضى ما اطردت به عادته الإلهية على وقوع كذا وقد يتخلف فلا إثم عليه بذلك، وكذا الإخبار عما يدرك بطريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعلم به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي من الوقت فإنه لا إثم فيه بل هو فرض كفاية، وأما ما في حديث "الصحيحين" عن زيد بن خالد الجهني قال :" صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح في أثر ماء أي مطر كان من الليل فلما انصرف أقبل علينا فقال : أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا : الله تعالى ورسوله ﷺ أعلم قال : أصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله تعالى فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ومن قال : مطرنا بنوء كذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب ".


الصفحة التالية
Icon