وقد تقدّم أنّ الشّائع أن يقال : ظلمات، ولا يقال : ظلمة، عند قوله تعالى :﴿ وتَركهم في ظلمات لا يبصرون ﴾ في سورة [ البقرة : ١٧ ].
وإضافة ظلمات } إلى ﴿ البرّ والبحر ﴾ على معنى ( في ) لأنّ الظّلمات واقعة في هذين المكانين، أي لتهتدوا بها في السّير في الظّلمات.
ومن ينفي الإضافة على معنى ( في ) يجعلها إضافة على معنى اللاّم لأدنى ملابسة كما في "كوكب الخرقاء".
والإضافة لأدنى ملابسة، إمّا مجاز لغوي مبني على المشابهة، فهو استعارة على ما هو ظاهر كلام "المفتاح" في مبحث البلاغة والفصاحة إذ جعل في قوله تعالى :﴿ يأرض ابلعي ماءك ﴾ [ هود : ٤٤ ] إضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيهاً لاتّصال الماء بالأرض باتّصال المِلك بالمالك أ هـ.
فاستُعمل فيه الإضافة الّتي هي على معنى لام الملك فهو استعارة تبعيّة ؛ وإمّا مجاز عقليّ على رأي التفتازاني في موضع آخر إذ قال في "كوكب الخرقاء" "حقيقة الإضافة اللاّميّة الاختصاص الكامل، فالإضافة لأدنى ملابسة تكون مجازاً حُكمياً".
ولعلّ التفتازاني يرى الاختلاف في المجاز باختلاف قرب الإضافة لأدنى ملابسة من معنى الاختصاص وبعدها منه كما يظهر الفرق بين المثالين، على أنّ قولهم : لأدنى ملابسة، يؤذن بالمجاز العقلي لأنّه إسناد الحكم أو معناه إلى ملابسسٍ لما هُوَ لَهُ.
وجملة :﴿ قد فصّلنا الآيات ﴾ مستأنفة للتّسجيل والتّبليغ وقطع معذرة من لم يؤمنوا.
واللاّم للتّعليل متعلّق بـ ﴿ فصّلنا ﴾ كقوله :
ويوم عَقرت للعذاري مطيّتي
أي فصّلنا لأجل قوم يعلمون.
وتفصيل الآيات تقدّم عند قوله تعالى :﴿ وكذلك نفصّل الآيات ﴾ في هذه السّورة [ ٥٥ ].
وجعل التّفصيل لقوم يعلمون تعريضاً بمَن لم ينتفعوا من هذا التّفصيل بأنّهم قوم لا يعلمون.
والتّعريف في الآيات } للاستغراق فيشمل آية خلق النّجوم وغيرها.
والْعِلم في كلام العرب إدْراك الأشياء على ما هي عليه قال السّمَوْأل أو عبد الملك الحارثي :
فليس سواء عالم وجهول
وقال النّابغة :
ولَيْسَ جاهِلُ شيءٍ مثلَ مَنْ عَلِما
والّذين يعلمون هم الّذين انتفعوا بدلائل الآيات.
وهم الّذين آمنوا بالله وحده، كما قال تعالى :﴿ إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ٩٩ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾