إذا عرفت هذا فنقول : كثر اختلاف المفسرين في تفسير هذين اللفظين على أقوال : فالأول : وهو المنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر هو الأرحام والمستودع الأصلاب قال كريب : كتب جرير إلى ابن عباس يسأله عن هذه الآية فأجاب المستودع الصلب والمستقر الرحم ثم قرأ :﴿وَنُقِرُّ فِى الأرحام مَا نَشَاء﴾ [ الحج : ٥ ] ومما يدل أيضاً على قوة هذا القول أن النطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب زماناً طويلاً والجنين يبقى في رحم الأم زماناً طويلاً، ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى.
والقول الثاني : أن المستقر صلب الأب والمستودع رحم الأم، لأن النطفة حصلت في صلب الأب لا من قبل الغير وهي حصلت في رحم الأم بفعل الغير، فحصول تلك النطفة في الرحم من قبل الرجل مشبه بالوديعة لأن قوله ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ يقتضي كون المستقر متقدماً على المستودع وحصول النطفة في صلب الأب مقدم على حصولها في رحم الأم، فوجب أن يكون المستقر ما في أصلاب الآباء، والمستودع ما في أرحام الأمهات.
والقول الثالث : وهو قول الحسن المستقر حاله بعد الموت لأنه إن كان سعيداً فقد استقرت تلك السعادة، وإن كان شقياً فقد استقرت تلك الشقاوة ولا تبديل في أحوال الإنسان بعد الموت وأما قبل الموت فالأحوال متبدلة.
فالكافر قد ينقلب مؤمناً والزنديق قد ينقلب صديقاً، فهذه الأحوال لكونها على شرف الزوال والفناء لا يبعد تشبيهها بالوديعة التي تكون مشرفة على الزوال والذهاب.
والقول الرابع : وهو قول الأصم.
إن المستقر من خلق من النفس الأولى ودخل الدنيا واستقر فيها، والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق.
والقول الخامس : للأصم أيضاً المستقر من استقر في قرار الدنيا والمستودع من في القبور حتى يبعث.
وعن قتادة على العكس منه فقال مستقر في القبر ومستودع في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon