ولما ذكر الأقوات من الثمار والحبوب والأدهان وأشرف الفواكه وأعمها، وكانت أشبه شيء بالآدمي في نشئه وبعثه واتفاقه واختلافه، وكان اشتباه بعضها واختلاف بعضها - مع كونها تسقى بماء واحد وفي أرض واحدة - دالاً على القدرة والاختيار، وكان السياق لإثبات الوحدانية ونفي الشريك بإثبات كمال القدرة التي هي منفية عن غيره، فلا يصح أن يكون له شريك، لأنه لا يكون إلا مشابهاً لشريكه كمال المشابهة فيما وقعت الشركة فيه، وللبعث فكان المراد التفكر في ظواهرها وتقلباتها من العدم إلى الوجود وبعد الوجود، ولمحاجة أهل الكتاب الموسومين بالعلم المنسوبين إلى حدة الأذهان وغيرهم من الفرق، وكان افتعل يأتي للتعريف، وهو المبالغة في إثبات أصل الفعل والاجتهاد في تحصيله والاعتمال، فكان حصوله إذا حصل أكمل، قال بانياً حالاً من كل ما تقدم :﴿مشتبهاً﴾ أي في غاية الشبه بعضه لبعض حتى لا يكاد يتميز، فلو قطع ثمرتا شجرتين منه لم يتميز ثمرة هذه من ثمرة هذه، فلا يقابله حينئذ نفي التفاعل، فإنه لمجرد مشاركة أمرين أو أكثر في أصل الفعل، فعلم أن التقدير : وغير مشتبه ومتشابهاً، ثم لما كان ربما تمسك القائل بالطبائع بهذه العبارة، نفى ما ربما ظن من أن لهذه الأشياء عملاً في اشتباه بعضها ببعض فقال :﴿وغير متشابه﴾ أي غير طالب للاشتباه مع أنه لا بد من شبه ما، فالآية من الاحتباك : أثبت الاشتباه دلالة على نفي ضده، وهو عدم التشابه، ولأجل أن الاشتباه أبلغ من التشابه، علق الأمر بالنظر الذي هو أثبت الحواس، ودلالة على أن المراد إنما هو ظاهر ذلك، لأنه كان في الدلالة على البعث والتوحيد الذي هذا سياقه فقال :﴿انظروا إلى ثمره﴾ وهذا بخلاف الحرف الثاني، فإنه في سياق الرد على العرب فيما يجعلون من خلقه لأصنامهم التي لا قدرة لها على شيء أصلاً، ولذلك ختم الآية بالإذن لهم في الأكل منه للانتهاء عما كانوا يحرمونه منه على أنفسهم،


الصفحة التالية
Icon