فلما اعتقدوا أن الأجسام محدثة، وأن خالق العالم فاعل مختار قادر على خلق الأجسام كيف شاء وأراد، فعند هذا لا حاجة إلى استخراج هذه التكلفات، فثبت أن ظاهر القرآن يدل في هذه الآية على أن الماء إنما ينزل من السماء، ولا دليل على امتناع هذا الظاهر، فوجب القول بحمله على ظاهره، ومما يؤكد ما قلناه : أن جميع الآيات ناطقة بنزول المطر من السماء.
قال تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُوراً﴾ [ الفرقان : ٤٨ ] وقال :﴿وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ﴾ [ الأنفال : ١١ ] وقال :﴿وَيُنَزّلُ مِنَ السماء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ [ النور : ٤٣ ] فثبت أن الحق، أنه تعالى ينزل المطر من السماء بمعنى أنه يخلق هذه الأجسام في السماء.
ثم ينزلها إلى السحاب.
ثم من السحاب إلى الأرض.
والقول الثاني : المراد إنزال المطر من جانب السماء ماء.
والقول الثالث : أنزل من السحاب ماء وسمى الله تعالى السحاب سماء، لأن العرب تسمي كل ما فوقك سماء كسماء البيت، فهذا ما قيل في هذا الباب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٨٦ ـ ٨٧﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَهُوَ الذى أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء ﴾ تذكير لنعمة أخرى من نعمه سبحانه الجليلة المنبئة عن كمال قدرته عز وجل وسعة رحمته، والمراد من الماء المطر ومن السماء السحاب أو الكلام على تقدير مضاف أي من جانب السماء.
وقيل : الكلام على ظاهره والإنزال من السماء حقيقة إلى السحاب ومنه إلى الأرض واختاره الجبائي، واحتج على فساد قول من يقول : إن البخارات الكثيرة تجتمع في باطن الأرض ثم تصعد وترتفع إلى الهواء وينعقد السحاب منها ويتقاطر ماء وذلك هو المطر المنزل بوجوه، أحدها : أن البرد قد يوجد في وقت الحر بل في حميم الصيف ونجد المطر في أبرد وقت ينزل غير جامد وذلك يبطل ما ذكر.