البحث الثالث : أن لقائل أن يقول : إنه قال أولاً :﴿يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت﴾ ثم قال :﴿وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى﴾ وعطف الاسم على الفعل قبيح، فما السبب في اختيار ذلك ؟
قلنا : قوله :﴿وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى﴾ معطوف على قوله :﴿فَالِقُ الحب والنوى﴾ وقوله :﴿يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت﴾ كالبيان والتفسير لقوله :﴿فَالِقُ الحب والنوى﴾ لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر النامي من جنس إخراج الحي من الميت، لأن النامي في حكم الحيوان.
ألا ترى إلى قوله ﴿ويحي الأرض بعد موتها﴾ وفيه وجه آخر، وهو أن لفظ الفعل يدل على أن ذلك الفاعل يعتني بذلك الفعل في كل حين وأوان.
وأما لفظ الاسم فإنه لا يفيد التجدد والاعتناء به ساعة فساعة، وضرب الشيخ عبد القاهر الجرجاني لهذا مثلاً في كتاب "دلائل الإعجاز" فقال : قوله :﴿هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مّنَ السماء﴾ إنما ذكره بلفظ الفعل وهو قوله :﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ لأن صيغة الفعل تفيد أنه تعالى يرزقهم حالاً فحالاً وساعة فساعة.
وأما الاسم فمثاله قوله تعالى :﴿وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد﴾ [ الكهف : ١٨ ] فقوله :﴿باسط﴾ يفيد البقاء على تلك الحالة الواحدة.
إذا ثبت هدا فنقول : الحي أشرف من الميت، فوجب أن يكون الاعتناء بإخراج الحي من الميت أكثر من الاعتناء بإخراج الميت من الحي، فلهذا المعنى وقع التعبير عن القسم الأول بصيغة الفعل، وعن الثاني بصيغة الاسم ؛ تنبيهاً على أن الاعتناء بإيجاد الحي من الميت أكثر وأكمل من الاعتناء بإيجاد الميت من الحي. والله أعلم بمراده. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٧٦ ـ ٧٧﴾