وقال الآلوسى :
﴿ ذلكم ﴾ القادر العظيم الشأن الساطع البرهان هو ﴿ الله ﴾ الذات الواجب الوجود المستحق للعبادة وحده ﴿ فأنى تُؤْفَكُونَ ﴾ فكيف تصرفون عن عبادته وتشركون به من لا يقدر على شيء لا سبيل إلى ذلك أصلاً.
"وتمسك الصاحب بن عباد بهذا على أن فعل العبد ليس مخلوقاً لله تعالى لأنه سبحانه لو خلق فيه الإفك لم يلق به عز شأنه أن يقول :﴿ فأنى تُؤْفَكُونَ ﴾ " وقد قدمنا الجواب على ذلك على أتم وجه فتذكر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
والإشارة بـ ﴿ ذلكم ﴾ لزيادة التّمييز وللتّعريض بغباوة المخاطبين المشركين لغفلتهم عن هذه الدّلالة على أنّه المنفرد بالإلهيّة، أي ذلكم الفاعل الأفعال العظيمة من الفلق وإخراج الحيّ من الميّت والميّت من الحيّ هو الّذي يعرفه الخلق باسمه العظيم الدالّ على أنّه الإله الواحد، المقصور عليه وصف الإلهيّة فلا تعدلوا به في الإلهيّة غيره، ولذلك عقّب بالتّفريع بالفاء قوله :﴿ فأنَّى تؤفكون ﴾.
والأَفك بفتح الهمزة مصدر أفَكَه يأفكه، من باب ضرب، إذا صرفه عن مكان أو عن عَمل، أي فكيف تصرفون عن توحيده.
و( أنَّى ) بمعنى من أين.
وهو استفهام تعجيبي إنكاري، أي لا يوجد موجب يصرفكم عن توحيده.
وبُني فعل ﴿ تؤفكون ﴾ للمجهول لعدم تعيّن صارفهم عن توحيد الله، وهو مجموع أشياء : وسوسة الشّيطان، وتضليل قادتهم وكبرائهم، وهوى أنفسهم.
وجملة ( ذلكم الله ) مستأنفة مقصود منها الاعتبار، فتكون جملة :﴿ ذلكم الله فأنّى تؤفَكون ﴾ اعتراضاً.
و﴿ فالق الإصباح ﴾ يجوز أن يكون خبراً رابعاً عن اسم ( إنّ )، ويجوز أن يكون صفة لاسم الجلالة المخبر به عن اسم الإشارة، فيكون قوله :﴿ فأنّى تؤفكون ﴾ اعتراضاً. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
تمسك الصاحب بن عباد بقوله :﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ على أن فعل العبد ليس مخلوقاً لله تعالى.
قال : لأنه تعالى لو خلق الأفك فيه، فكيف يليق به أن يقول مع ذلك :﴿فأنى تُؤْفَكُونَ ﴾.
والجواب عنه : أن القدرة بالنسبة إلى الضدين على السوية، فإن ترجح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجح، فحينئذ لا يكون هذا الرجحان من العبد، بل يكون محض الاتفاق، فكيف يحسن أن يقال له :﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ وأن توقف ذلك المرجح على حصول مرجح، وهي الداعية الجاذبة إلى الفعل، فحصول تلك الداعية يكون من الله تعالى، وعند حصولها يجب الفعل، وحينئذ يلزمكم كل ما ألزمتموه علينا. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٧٧﴾


الصفحة التالية
Icon