الوجه الثاني : في إبطال هذا الكلام الذي ذكره ابن الهيثم أن الدائرة التي هي دائرة الأفق لنا، فهي بعينها دائرة نصف النهار لقوم آخرين، فإذا كان كذلك، فالدائرة التي هي نصف النهار في بلدنا، وجب كونها دائرة الأفق لأولئك الأقوام.
إذا ثبت هذا فنقول : إذا وصل مركز الشمس إلى دائرة نصف الليل وتجاوز عنها، فالشمس قد طلعت على أولئك الأقوام، واستنار نصف العام هناك، والربع من الفلك الذي هو ربع شرقي لأهل بلدنا فهو بعينه ربع غربي بالنسبة إلى تلك البلدة وإذا كان كذلك فالشمس إذا تجاوز مركزها عن دائرة نصف الليل قد صار جرمها محاذياً لهواء الربع الشرقي لأهل بلدنا.
فلو كان الهواء يقبل كيفية النور من الشمس لوجب أن يحصل الضوء والنور في هواء الربع الشرقي من بلدنا بعد نصف الليل.
وأن يصير هواء الربع الشرقي في غاية الإضاءة والإنارة بعد نصف الليل، وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا أن الهواء لا يقبل كيفية النور في ذاته.
وإذا بطل هذا بطل العذر الذي ذكره ابن الهيثم فقد ذكرنا برهانين دقيقين عقليين محضين على أن خالق الضوء والظلمة هو الله تعالى لا قرص الشمس، والله أعلم.
والوجه الثالث : هب أن النور الحاصل في العالم إنما كان بتأثير الشمس.
إلا أنا نقول : الأجسام متماثلة في تمام الماهية ومتى كان الأمر كذلك كان حصول هذه الخاصية لقرص الشمس يجب أن يكون بتخليق الفاعل المختار.
أما بيان المقام الأول : فهو أن الأجسام متماثلة في كونها أجساماً ومتحيزة.
فلو حصل الاختلاف بينها لكان ذلك الاختلاف واقعاً في مفهوم مغاير لمفهوم الجسمية ضرورة أن ما به المشاركة مغاير لما به المخالفة فنقول : ذلك الأمر إما أن يكون محلاً للجسمية أو حالاً فيها أو لا محلاً لها ولا حالاً فيها.